إذا زرتم متحف لاهور الباكستاني يوماً ما، فستجدون صورة لفتاة طويلة ونحيلة، وجهها مستدير ولها شامتان على خدها الأيسر بعيون سوداء متقدة وشعر أسود غزير.. تلك هي زيب النساء..من هي وما حكايتها سأحكي لكم في ملخص القصة
في أحد الحصون المنيعة بمدينة دلهي، قضت الأميرة والشاعرة الصوفية “زيب النساء” 20 عاماً في سجن والدها الإمبراطور الذي جافاها بعد أن كانت أحب أبنائه إلى قلبه، وهناك وافتها المنية، ولم تخلف وراءها سوى قصائد شعر صوفي جُمعت فيما بعد في ديوان حمل اسمها المستعار: “ديوان مخفيّ”. فما قصة هذه الأميرة، وما الذي استدعى غضب والدها عليها إلى هذا الحد؟
كانت زيب النساء، المولودة عام 1638، الابنة الأكبر للإمبراطور وطفلته المدللة، وبلغ حبه لها أنه كان لا يرفض لها طلباً. تلقّت زيب النساء تعليماً يليق بأميرة مسلمة، فتأدبت على يد محمد سعيد أشرف مازندراني الذي كان شاعراً فارسياً عظيماً، وبرعت بمجالات الفلسفة والرياضيات وعلم الفلك والتاريخ واللاهوت، وأتقنت اللغات الفارسية، والعربية والأردية، كما كانت خطاطة موهوبة.
وحصلت زيب النساء على لقب “حفيظة” في السابعة من عمرها وكبرت زيب النساء لتصبح مكتبتها الشخصية من أعظم المكتبات في البلاد
وكانت تحب مساعدة المحتاجين والأرامل والأيتام، وتواظب على إرسال الحجاج إلى مكة المكرمة على نفقتها الشخصية. وعلى الرغم من أنها كانت ابنة الإمبراطور، فإنها اعتمدت مظهراً بسيطاً متقشفاً مقارنة بغيرها من الأميرات، ولطالما كانت ترتدي اللون الأبيض، أما زينتها فقد اقتصرت على عقد من اللؤلؤ حول رقبتها.
تقدم كثيرون لخطبة الأميرة لكنها رفضت جميع خاطبيها وآثرت البقاء عازبة طوال الحياة، وكان ملك إيران من جملة خاطبيها وكذلك العديد من أمراء المغول، لكنها كانت ترفض قبول أي طلب زواج قبل أن تقابل الخاطب، وفي كل مرة لم يلقَ أحدٌ استحسانها.
لا يعرف المؤرخون تحديداً كيف ولماذا غضب الإمبراطور على ابنته المحبوبة والمدللة، لكنهم يعرفون أنه سجنها لمدة 20 عاماً بحصن سالمجاره في مدينة دلهي إلى أن فارقت الحياة عام 1702.
ويعتقد بعض المؤرخين أن علاقة غرامية سرية نشأت بين الأميرة زيب النساء وعقيل خان الرازي، الذي كان شاعراً يشغل منصب محافظ لاهور، الأمر الذي أغضب الإمبراطور ودفعه إلى عدم الثقة ثانية بابنته وسجنها.
وبغضّ النظر عن السبب الذي دفع الإمبراطور إلى أن يصب جام غضبه على الأميرة زيب النساء، فقد قضت الشاعرة 20 عاماً من عمرها في السجن، وتوفيت بعد 7 أيام من مرض شديد ألمَّ بها، لتُدفن في دلهي، إذ لا يزال ضريحها موجوداً إلى اليوم، ولها ضريح آخر في لاهور، لكن لا يُعتقد أنه الضريح الذي يجمع رفاتها.