“الإمساك بهذا الصغير سيسمح لنا بإلقاء القبض على بقية عناصر فوج القصبة” كانت تلك مقولة أحد القادة العسكريين الفرنسيين في الجزائر، عن الصغير عمر الذي ضلل فرنسا وسنه لم يتجاوز التاسعة فما قصته؟
مثلما برز اسم الشباب والرجال والنساء في الثورة الجزائرية، والتي انتهت باستقلال البلاد، كان هناك دور بطولي أيضا لصغير يدعى “عمر”، تحلى بشجاعة نادرة ليتقدم الصفوف الأولى للمقاومة.
اسمه الحقيقي عمار ياسف، وعندما انخرط في الثورة أطلق عليه اسم”عمر الصغير”، وهو ابن أخت قائد معركة الجزائر المشهور ياسف سعدي، ولد عمر الصغير عام 1944 في حي القصبة الشعبي بالجزائر العاصمة، وترك دراسته في السنوات الأولى من التعليم، حيث رفض النشيد الفرنسي والاحتفاء بالتاريخ الفرنسي.
عُرف عن الصغير عمر الذكاء والشجاعة وحب الجزائر منذ سنواته المبكرة، حيث دخل عالم النضال وسنه لم يتجاوز التاسعة ، فكان يرافق والده العضو في حزب الشعب إلى الاجتماعات السرية و كان يلتزم الهدوء تماما كالمناضلين الكبار ويصغي لأحاديثهم وينجذب لخطبهم، وعلى الرغم من أنه لم يكن يفهم الكثير مما يقولونه ،إلا أنه كان يعي أن على فرنسا أن تغادر وطنه الجزائر.
وكان ثوّار منطقته يثقون فيه كثيرا ومن أكثر المواقف التي لا تنسى للصغير عمر عندما كان يلعب ذات يوم في الحي، وشاهد شابا فدائيا يظهر سلاحه من تحت سترته، فاقترب منه وهمس له “منديلك يتدلى يا سيدي ” وهنا أدرك الفدائي ما يقصده الصغير فحمله على كتفيه وشكره فتبسم عمر وقال له” أصحاب المناديل أصدقائي”.
واستمر الصغير في النضال، واستطاع أن يتخفّى عن عيون الاستعمار حيث انقطع عن عائلته لأشهر عديدة، كما حمل الرسائل بأمانة وشجاعة في محفظته، وأثناء إضراب الجزائريين كان الصغير يخطف الميكروفون خفية لمخاطبتهم ورفع معنوياتهم، واجتاز الصغير االعديد من الحواجز الأمنية الموجودة بالقصبة، وسار في أزقتها والفدائيون يمشون وراءه وهم يستأمنونه على مصيرهم.
وكان المناضلون يكلّفون الصغير بمهمات حسّاسة وسرية، ومن كثرة براعته قال عنه أحد القادة العسكريين الفرنسيين إنّ الإمساك بهذا الصغير سيسمح لنا بإلقاء القبض على بقية عناصر فوج القصبة.
وظل الصغير هكذا إلى أن اكتشف الفرنسيون ما كان يقوم به لصالح الثورة، فبدأوا يطاردونه لكنهم فشلوا في النيل منه.
في الثامن أكتوبر عام 1957 حاصر جنود الاستعمار شقة في حي القصبة بعدما نقل لهم خبر يفيد باختباء مقاومين فيها وكان بها عمر الصغير برفقة مقاومين آخرين، واقتحموا الشقة وقضوا على كل من فيها، بعدما فشلت تهديدات المستعمر في إجبار المقاومين على تسليم أنفسهم فتوفّي المقاومون الثلاثة على الفور، ومن يومها تحوّل عمر الصغير إلى قصة أيقونية خالدة تروي تضحية الصغير إلى جانب الكبار من أجل استقلال البلاد.