تبدأ الحكاية منذ عام 2000 إلى عام 1500 قبل الميلاد في طيبة عاصمة مصر وقتذاك .كان ذلك قبل زمن موسى عليه السلام
حين انتقل يعقوب وأولاده إلى قصر يوسف أو عزيز مصر، بعد أن جمع الله بين سيدنا يوسف وأبيه ومن هنا جاء نسل العبرانيين الذي كان من نسل يعقوب عليه السلام.
سكن يعقوب وأولاده ومنهم سيدنا يوسف في مصر لسنوات طويلة، ولكن تبدل حالهم من العز إلى الفقر فاضطروا إلى أن يعملوا لدى فرعون أحد ملوك مصر حتى ولد سيدنا موسى وبدأت قصته الشهيرة مع فرعون .
قارون !!
في قصر فرعون عاش شابين هما موسى عليه السلام وأبن عمه الذي كان يعمل في هذا القصر كخادم، وهو قارون بن يصهر، ولكن جمعت سيدنا موسى وقارون علاقة طيبة وصداقة قوية ، تأثر قارون كثيرا بالدعوة التي نشرها النبي موسى وآمن بها وكان قدوة في العبادة لبني قومه فحفظ كل التعاليم الدينية والتزم بها على أكمل وجه، حتى قرر أن يعتزل الناس فصعد إلى جبل ووهب حياته لعبادة الله فقط ولا يفعل أي أمر غير ذلك .
وكان بنو قومه يساعدونه فيصعدون كل يوم إلى الجبل ويحضرون له الطعام حتى يتفرغ تماما للعبادة وكانوا يعتبرونه الصديق المقرب من موسى وابن عمه
زيارة إبليس
وذات يوم .. جاء إلى قارون في الجبل رجل عجوز ملامحه مليئة بالوقار عابد لله وأخبر قارون أنه يمتلك كثيرا من العلوم الدينية فرحب به قارون وجلسا معا يتعبدان لله ولكن هذا الرجل العجوز اقترح عليه أن عبادة الله وحده والاعتكاف لا تكفي، ويجب أن يفعلا شيئا ليريحا قومه من مشقة إحضار الطعام لهما فأقترح عليه هذا الرجل العجوز أن يعمل يوما ويتعبد باقي الأيام .حتى يستطيع إحضار الطعام لنفسه فبدأ قارون يقتنع بالفكرة ونزل من الجبل ليعمل ثم يعود مرة أخرى للتعبد .
لكن ظل هذا الرجل يلح عليه في فكرة أنه لا يجب عليه فقط إحضار المال للطعام وأنما يجب عليه أن يتصدق ويساعد قومه .
ووصل الأمر إلى أن أصبح يعمل يوما ويتعبد يوما ثم يعمل يومين ويتعبد يوما حتى بدأ يجمع المال وابتعد تدريجيا عن العبادة
لم يكن هذا الرجل العجوز إلا إبليس متخفيا في صورة رجل عابد لله حتى يقوم بإغواء قارون
حب المال
بدأ قارون يحب جمع المال وبدأ إبليس يحببه في ذلك وعلمه كثيرا من الحيل التي يمكن أن يستخدمها في التجارة فيربح بها أموالا أكثر فبدأ يخبره بأنه إذا أراد أن يبيع أيا مما يمتلكه يجب أن يبيعه مقابل الذهب أو الفضة.
وإذا أراد أن يشتري فليتبع مبدأ المقايضة ، ومن هنا بدأ يجمع قارون أموالا كثيرة، ولكن فكر قارون في حيلة أخرى يجمع بها الأموال أكثر، فطلب من النبي موسى عليه السلام أن يدعو الله له بأن يجعله ثريا ويمتلك المال.
في البداية رفض سيدنا موسى الأمر ولكن أقترح عليه الرجل العجوز عندما يطلب من موسى أن يقول له أنه سيساعد الفقراء والمساكين بهذا المال.
وأن الهدف من أن يصبح ثريا هو أن يساعد قومه كما ساعدوه في السابق، وهنا وافق موسى ودعا الله لقارون بأن يمنحه الثراء والغنى.
وبالطبع لم تنزل أموال من السماء ولم تنبت من الأرض كما يعتقد البعض وانما ما حدث لقارون أنه أصبح بارعا في علم يسمى الخيمياء وهو تحويل التراب إلى زئبق أحمر ثم إلى ذهب .
ويقال إنه عندما دعا له موسى أخذ ثلث العلم من موسى وثلثه من أخيه هارون وثلثه من يوشع ويقال أيضا في روايات مختلفة أن الثلث الأخير كان أيضا من أخت سيدنا موسى التي كانت حسب بعض الروايات زوجة قارون.
ثروة قارون
ويتساءل الكثيرون كيف كانت ثروة قارون فيقال إنه بنى قصرت من 3000 غرفة، ليس من أجل أن يسكن فيه ولكن من أجل حفظ الذهب والمال فكان هذا القصر كمخزن للذهب .
وكانت مراكب الخيول الخاصة به غطاءها من ذهب وكون جيشا كبيرا بما كان لديه الخدم
وأصبح السرج الخاص بخيوله من الذهب لدرجة أن الممالك التي كانت تقع بجانب مصر كانت تقترض من قارون في مقابل الحماية وأصبحت ثروته أعلى من ثروة فرعون الذي تقرب له بشدة من أجل المال وأصبح قارون صديقا مقربا من فرعون .
استرابة : فتنة قارون
أصبحت أموال قارون التي تزداد يوما بعد يوم فتنة لبني قومه، وبالطبع أخلف وعده لسيدنا موسى ولم يتصدق بهذه الأموال وأصابه الغرور والكبر وتباهى عليهم بأمواله وثرواته وخلق فتنة شديدة وكثر الهرج والمرج بين قومه.
حتى تدخل موسى وطلب منه أن يتذكر كيف كان فقيرا وأنه يجب أن يرضي الله وأن يساعد الفقراء ويتصدق من ماله، رفض قارون رفضا شديدا فرجع موسى إلى الله الذي طلب منه أن يذهب إلى قارون ويأمره بالزكاة وإخراج جزء من أمواله إلى الفقراء.
لكن قارون للمرة الثانية رفض وتكبر وظل موسى يحاول مع قارون أن يجعله يتصدق إلى الفقراء حتى لا تصبح أمواله فتنة وبدأ يشعر قارون أن سيدنا موسى عائق بالنسبة له ، ففكر في حيلة مع فرعون كيف يستطيع أن يتخلص من موسى دون أن يكون شهيدا وأن يصبح موسى في نظر قومه فاسدا أو مخالفا لكلامه الذي يبلغهم به.
خطة قارون
فكر قارون ورجاله كثيرا حتى وصلوا إلى امر بالنسبة إليهم كان ذكيا لكنه كان خطيرا للغاية، فاحضروا امرأة ذات سمعة سيئة عرضوا عليها الذهب في مقابل أن تقف أمام قوم موسى وتخبرهم بالباطل بأن سيدنا موسى وقع معها في الخطيئة .
وبالفعل انتظروا يوما كان عيدا عند العبرانيين وكان سيدنا موسى موجودا فخرج قارون وجيشه وسأل موسى أمام قومه ألم تقل يا موسى أن حد الزنا هو الرجم فقال موسى نعم
فقال : ماذا إذا كان هذا الزاني هو أنت، وأحضر المرأة وأبلغ العبرانيين بأن سيدنا موسى فعل الخطيئة مع تلك المرأة.
ووقفت المرأة أمامهم في إنتظار شهادتها ومواجهتها مع سيدنا موسى، لكن المرأة فكرت كثيرا وشعرت بأن هذا الشيء خطأ فقالت بأن قارون وفرعون هم من اتفقا معها على ذلك، وأن سيدنا موسى بريء ولم يفعل معها شيئا وطلبت من سيدنا موسى أن يدعو الله ليغفر لها خطيئتها ..وبالفعل تحولت فيما بعد تلك المرأة إلى امرأة عابدة وتركت كل ما كانت تفعله.
غضب موسى
عندما سمع موسى شهادة تلك المرأة غضب غضبا شديدا وطلب من الله أن يمكنه من قارون، فأوحى الله له بأمر منه أن يأمر الأرض فتطيع سيدنا موسى.
فجمع موسى بني قومه بالقرب من قصر قارون وقال أمامهم يا أرض خذيه وضرب موسى بعصاه، فخسفت الأرض بجزء من قصر قارون ثم عاد وقال موسى يا أرض خذيه كله ، فنزلت الأرض أكثر وخسف قصر قارون تحت الأرض التي ابتلعته هو وخدمه وجيشه، ومجوهراته وثرواته حتى إنتهى ودفن تماما ولم يعد له وجود هو وكنوزه .
ذكرت قصة قارون في القرآن الكريم والعبرة منها لكل من تسول له نفسه اكتناز الأموال وحرمان الفقراء من المساعدة وليضرب به المثل بعد ذلك في جمع الأموال والثروات ويقال مثل مال قارون !