33 عامًا قضتهم تلك المرأة فوق عرش مدغشقر، تخلصت فيهم من نصف شعبها وانتشر في عهدها الأمراض، حتى لعب عليها ابنها وتخبص منها وأقام الاحتفالات، فما الذي فعلته تلك المرأة لتدفع شعبها للجنون ويحتفل ابنها برحيلها، هذا ما سنعرفه في ملخص القصة :
إنها رانافالونا أو مجنونة مدغشقر، ولدت عام 1788، في عائلة فقيرة جدًا ومعدمة، بالقرب من منطقة أنتاناناريفو بمدغشقر.
لكن كان للصدفة دور كبير في تغير مسار حياتها وتحركها رأسًا على عقب.
و ذلك حينما حذر والدها الملك من تحرك يُحاك ضده وعائلته، فكافئه الملك بمكافئة غريبة لم تقتصر على المال والذهب فقط، بل تبنى “رانا فالونا” ابنة الرجل الفقير التي تربت في حضنه وبين جدران قصره.
لم تكن تلك الخطوة الوحيدة التي انتشلت الطفلة الفقيرة من معاناتها، بل أحبها بن الملك وتزوج بها بعدما رحل والده وتسلم الأخير عرش البلاد.
فأصبحت رانالوفا تلك الفتاة الفقيرة زوجة الملك رادما الأول، لكنها لم تكن زوجته الوحيدة، إذ تزوج رادما إثنا عشر زوجة، كانت هي إحداهن.
لكن الخلاف السياسي بين أقاربها والملك، وانشغاله في التخلص من الكثير منهم، إلى جانب عدم إنجابها أطفالًا، جعلها مهملة، فلم تكن “رانالوفا” سعيدة أبدًا في زواجها وحياتها.
ما دفعها لتصرفات رأتها الأسرة الملكية ستهين عرش الملك، ولكن قبل أن يحاول التخلص منها أيضًا. رحل الملك ولم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، ولم يكن لهذا الملك وريث شرعي لأنه لم ينجب أطفالًا. فاستغلت رانالوفا علاقتها بالحرس الخاص ونصبت نفسها ملكة مدغشقر عام 1828.
وادعت حينها أن زوجها هو من أمر بذلك قبل رحيله، ثم تخلصت من جميع منافسيها من العائلة الملكية. لتتوج ملكة رسمية عام 1829، لتصبح بذلك أول امرأة تتولى عرش تلك الإمبراطورية منذ تأسيسها عام 1540.
استمر حكم رانافالونا 33 عامًا، كانت من أكثر الفترات وحشية في البلاد، حيث تسببت في موت أعداد هائلة من السكان .
وقد لجأت إلى طريقة غريبة في هذا المجال، كانت تسمى بطريقة تانجينا، نسبة لشجرة سامة عرفت في مدغشقر منذ القدم .
واستخدمت رانافالونا هذه الشجرة للتأكد من ولاء شعبها، إذ كانت تجبرهم على ابتلاع المواد المستخرجة من هذه الشجرة لتحديد ما إذا كان بريئًا أو مذنبًا.
وكانت هذه الطريقة منهجًا معروفًا عند القبائل حينها، للتعرف على المجرمين.فكانت تضع تلك المواد على 3 قطع من الدجاج وتعطيها للمتهم، فإذا تقيأ الدجاج ونجا، يُعد بريئًا أما إذا مات فهو مذنب.
وقد تسبب هذا الاختبار الذي أطلق عليه محاكم الدجاج في إنهاء حياة 3000 شخص سنويًا، وكانت الأعداد ترتفع في كل عام. حتى قَدر المؤرخون أن نصف الشعب انتهت حياتهم باختبار التانجينا.
ولم يقتصر جنونها على شعبها، بل شنت حملات عسكرية على المناطق النائية من البلاد، وحاربت انتشار المسيحية في زمانها. كذلك أجبرت الملكة المتوحشة شعبها على العمل في ظروف صعبة ومهينة جدًا.
وأدى تركيزها على محاربة خصومها وقمع شعبها، إلى إهمال شؤون البلاد الأخرى، فانتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعات.
حتى تراجع عدد سكان مدغشقر في عهدها من 5 ملايين شخص إلى مليونين ونصف مليون فقط.
33 عامًا من حكم تلك الملكة أوصلت فيهم شعبها إلى الجنون أحيانًا. حتى نظم ابنها تحرك فاشلاً ضدها في عام 1857.
وبعد وفاة مجنونة مدغشقر تولى ابنها رادما الثاني عرش البلاد، فقدم آلاف القرابين ووزع الأموال على الشعب، احتفالًا برحيل والدته التي ظلت مصدر خوف وقلق لشعب مدغشقر حتى بعد وفاتها.