السويسرية الارستقراطية التي تركت جنيف لتمكث بصحراء الجزائر وتعيش ببيت طيني، كانت تتنكر بزي رجل وتحولت إلى الإسلام وعشقت المذهب الصوفي.
حاولت القوات الفرنسية اسكاتها عدة مرات، ثم نجت من عدة محاولات لاستهدافها بهدف القضاء عليها، إلى أن انقضى أجلها على يد عدو لا يحمل ضدها أي ضغينة.
ولدت إيزابيل في جنيف بـسويسرا عام 1877م لأم أرستقراطية، ولوالد مجهول، أظهرت منذ صغرا ذكاء خارقا، فقد برعت في الفرنسية والألمانية واللاتينية واليونانية، والروسية والإيطالية والعربية.
بدا جليا من البداية أنها مختلفة تمام الاختلاف عن معظم البنات، فهي تحب تقطيع الحطب، وتسلق الأشجار، وركوب الخيل.
قررت والدتها الهجرة إلى الجزائر، لتتخذ إيزابيل لنفسها اسما جديدا هو سي محمود السعدي، ولم تمض إلا أشهر قليلة حتى اعتنقت أمها الإسلام وسمت نفسها هي الأخرى فاطمة المنوبية.
ولكن أحزانها بدأت مبكرا فقد وافت أمها المنية بعد وصولهما إلى الجزائر بأقل من 6 أشهر.
بدأت حياتها المهنية كصحفية في جريدة «الأخبار» وكانت تناضل بالكلمة ضد التعسف الذي تمارسه إدارة فرنسا الاستعمارية ضد الجزائر.
وبعد فترة وجيزة التقت بزوجها المستقبلي سليمان إهني، وهو فارس في فرقة الصباحية، بمكتب العرب
وبعد زواجهما، شاءت الأقدار أن تفرق بينهما إلى حين، فقد صدر قرار طارئ بتحويل سليمان للعمل بمدينة باتنة، أي على بعد 360 كم إلى الشمال.
قرار النقل الطارئ كان فقد بداية المتاعب واجهتها، فـالسلطات الفرنسية كانت تحيك لها مؤامرة في الخفاء.
فبينما هي في ساحة منزل شيخ الزاوية عبيش، وقد عُرف عنها حينها حبها الشديد للتصوف وللصوفيين، هاجمها شخص، وأصابها في يدها صائحا: «إنها شيطانة وجاسوسة ومسترجلة تدخن أمام الملأ وتسيء لديننا بتصرفاتها المنحرفة.
لكن الأمر لم يكن مجرد هجوم عشوائي من شخص مجنون، ولم تفهم هي ذلك في حينها، ولكنها فهمته بعد إصدار المحكمة الفرنسية قرارا بإدانة الفاعل بالسجن المؤبد، ولكن بخصوصها، فهي فسترحل من الجزائر إلى فرنسا، فصداع مقالاتها مازال يتردد صداه في عقل السلطات الفرنسية.
لكن شاءت الأقدار أن يعود سليمان زوجها إلى مارسيليا، ويتزوج بها زواجا مدنيا رسميا هناك، وبالتالي فإن إيزابيل ستغدو بحكم القانون امرأة فرنسية.
تلك الثغرة القانونية أعادتها بأعجوبة إلى عاصمة الجزائر التي أحبتها مرة أخرى، وقررت فور عودتها أن تعمل كمراسلة حرب بجريدة الأخبار؛ لتغطية الثورة المستعرة التي يقودها الشيخ بوعمامة بجنوب الجزائر الغربي.
لتكمل ما بدأته من رحلة النضال الصحفي بالكلمة، حيث أنها كتبت عدة تحقيقات تناولت تفاصيل المعارك الطويلة والجرحى، والمتوفين، كما استجوبت العاملين في الجيش الفرنسي من المرتزقة.
واستمرت في الانتقاد الاذع لـ«الرقابة العسكرية» الفرنسية وأشارت إلى أن القوات الفرنسية حولت الشيخ أبو عمامة إلى أسطورة.
وفي مساء 21 أكتوبر، هبت عاصفة رعدية سوداء على منطقة العين الصفراء حيث يقع منزلها، أدت تلك العاصفة لتهدم المنزل فوق رأسها، وبعدها بستة أيام اُنتشلَ جسدها من تحت الأنقاض.
ماتت مخلفة وراءها مخطوطات بجانب ما يقارب ألفي ورقة، نشرها لها مدير جريدة الأخبار فيكتور بريكو.وعلى الرغم من أنها عاشت لـ 27 عاما فقط، ولكن ومع ذلك فقد حظيت بعشرات المؤلفات والروايات والكتابات أكثر من معظم الكتاب، لتخلد كتبها ذكراها وتعيش وبعدها إلى الأبد.