كان الرجل مرجعا لعلماء عصره ولم يكن غريبا وصوله إلى ما وصل إليه من رقي شهد له القاصي والداني.. حيث قرأ القرآن أمام الإمام علي بن أبي طالب، وإليه ينسب الفضل في حفظ اللغة وحمايتها .. فما هي قصة الشيخ الإمام نصر بن عاصم العالم الذي وضع النقاط على الحروف وكيف نفذ أوامر الحجاج لحماية القرآن من اللحن ؟
إنه نصر بن عاصم الليثي البصري، عشق علوم الفقه واللغة العربية ولم ينافسه في ذلك أحد من أبناء جيله.. ولحظ ما كان سائدا في زمانه حيث كان العرب يقرأون اللغة العربية اعتمادا على السياق العام للغة وعلى قوة مستواهم فيها فكانوا بها يتحدثون ويكتبون.
نهاية أزمة الأحرف المتشابهة
ظلت الأحرف المتشابهة واحدة من المعضلات المحتملة التي كانت ستؤثر حتما على مستوى الكتابة والقراءة في التعامل مع «لغة الضاد» إلى أن قرر نصر بن عاصم الليثي البصري تمييز الحروف المتشابهة ووضع النقاط على الحروف لتمييز الحرف عن شبيهه.
لم يكن للعرب حتى حلول منتصف القرن الأول الهجري قدرة على تمييز الأحرف وكان من المستحيل بقاء أسلوب القراءة والكتابة على النحو الذي كان متبعا حينئذ، وفي عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، تمت عملية تنقيط الحروف على يد فارس من فرسان اللغة العربية.
تعدد أساليب القراءة ينذر بالخطر
اتسعت مساحة الحكم الإسلامي وكان من المقرر أن تظل اللغة العربية لغة رسمية لجميع الدول التي فتحها المسلمون، وظهرت أزمة لغوية نتجت عن تعدد أسلوب قراءة اللغة لدى كل شعب من الشعوب التي حكمها المسلمون ولم تكن تلك الشعوب في أصلها عربية.
سرت المخاوف لدى المسؤولين وأهل اللغة على «لغة الضاد» وكان لا بد من تمييز حروفها والاعتراف الرسمي بذلك حتى تأخذ تلك الخطوة قوة القانون المطبق على الجميع الذي لا ينبغي لأحد تجاوزه أو عدم احترامه، وظهر ذلك جليا عندما ألقى رجل رومي شعرا على الحجاج بأحرف غير منقوطة فاختل المعنى وتحولت القصيدة إلى أضحوكة.
مخاوف اللحن تقلق علماء اللغة
كان عدم تمييز تلك الأحرف معناه أن أسلوب كتابة وتلاوة القرآن الكريم ربما يتأثر ويحدث لحن في التلاوة يؤثر على النص المقدس فهما وكتابة وتلاوة ومعنى، وتصدى ربان اللغة وعمود الفقه الإسلامي للمهمة بعد أن أوكلت إليه عن جدارة ولم يكن ذلك غريبا عليه.
تتلمذ نصر بن عاصم الليثي البصري على يد «أبي الأسود الدؤلي» الذي وضع التشكيل على الحروف العربية وكان لتلاميذه نصيب كبير من علمه حيث تلقوه منه عن طريق الملازمة والاجتهاد والحفظ.
أول نقط المصاحف
كان نصر بن عاصم الليثي البصري، هو أول من نقط المصاحف بعد الأوامر التي أصدرها الحجاج بن يوسف الثقفي إلى علماء عصره بضرورة حسم مسألة أشكال الحروف العربية بعد أن انتشر اللحن في القرآن الكريم في العراق.
ما أن انتهى نصر بن عاصم الليثي من وضع أحرف العربية حتى سهل على الجميع قراءتها وخصوصا في المواقع التي وصلها المسلمون في مختلف بقاع الأرض وتم وضع نظام لترتيب الأحرف وسهل على الناس تعلم «لغة الضاد» التي كان الليثي واحدا من فرسانها الذين خدموها وأهلها أعظم خدمة.