هي امرأة غيرت مسار الخلافة العباسية، أسست لسلطة الجواري وأكدت قدرتها على قيادة الدولة، كانت زوجة خليفة وأما لخليفتين، هي الخيزران بنت عطاء الجرشية، خطفها أحد البدو وعلمها وثقفها وعرضها في سوق الجواري، اشتراها المهدي كجارية وكان عازفا عنها بسبب ساقيها النحيلتين،أقنعته بالحجة والمنطق أن هذا ليس عيبا وسلبت لبّه.
تدخلت في شئون الخلافة بالرأي وكانت تستمع لمجالس المهدي من وراء حجاب، عرفت بالثقافة الواسعة وكتابة الشعر واكتسبت محبة الناس بالعطف والحيلة.
أقنعت المهدي ثالث الخلفاء العباسيين بأن يحررها ويتزوجها، دفعته لتسمية ابنها وليا للعهد وليس ابن زوجته الأولى ريطة ابنة الخليفة السفاح.
كان المهدي مولعا باللهو والصيد وكانت هي التي تدير الدولة، وبالفعل تم تسمية ابنها الهادي وليا للعهد وتولى الخلافة بعد أبيه.
توفي المهدي وعمره 42 عاما وظلت الخيزران تحكم من وراء حجاب، رفض الهادي سلطة أمه وتدخلها في شئون الخلافة فتخلصت منه.
يقال أنها دست له السم ويقال أنها سلطت عليه الجواري فأنهين حياته، تولى من بعده أخوه هارون الرشيد ولم يعارض تدخل أمه في شئون الحكم، بل كان يراها ذات رأي صائب ورؤية بعيدة وحنكة سياسية.
ازدهرت الدولة في عهد هارون الرشيد بفضل تسيير أمه الخيزران لشئون الحكم، كانت إلى جانب ذلك تهتم بالتجارة وأسست امبراطورية تجارية كبيرة، كونت ثروة ضخمة تخصها بشكل مستقل بعيدا عن خزانة الدولة.
كانت لها علاقات تجارية مترامية الأطراف في البلاد المجاورة، استمرت الخيزران تحكم الدولة العباسية وتأمر وتنهي منذ زواجها المهدي وبداية عهده في 775 ميلادية.
اعتبرها المؤرخون من أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ الدولة العباسية، كانت تعقد الاجتماعات وتصدر الأوامر وتقضي بين الناس بشكل دائم، وصل الأمر لدرجة أنه تم صك العملة باسمها.
كما بنيت القصور التي تحمل اسمها خلال عهدا ابنها هارون الرشيد، ظل أثرها باق حتى أن القرافة التي تخص الخلفاء العباسيين من بعدها في الأعظمية ببغداد تحمل اسمها.
تمكنت من فرض نفوذ الدولة العباسية على بقاع شتى وأنجزت فتوحات كثيرة، استقدمت أسرتها من قريتها النائية جرش في السعودية الحالية وأجزلت لهم العطاء، كان الجميع يسعى للتقرب منها وتقديم الهدايا لها لتزكيتهم عند الخليفة
استمرت بكامل سلطتها حتى وفاتها عام 789 ميلادية.
رغم المؤامرات التي حيكت ضدها إلا أنها رحلت بطريقة طبيعية مشى هارون الرشيد في جنازتها حافي القدمين في الطين وحزن عليها كثيرا، تركت وراءها ثروة ضخمة وسجلا طويلا من الألغاز وفتحت الباب لما يمكن تسميته سلطة الجواري .