الفرزدق اسمه الكامل هَمَّام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي كان من مشاهير البصرة وبلغ صيته الآفاق على جرأة شعره واحتكاكه بقصور الحكم، وسمى بذلك الاسم لغلظة في وجهه واشتهر بأن مزاجه مثل أجواء شهر أمشير فهو متقلب بين تارة وأخرى يمدح ويهجو حسب الطلب ، وحسب المزاج .
انعكس تعلق مزاج الفرزدق على شعره ومواقفه فلم يكن يخجل أن يمدح رجلا أول النهار ويهجوه آخر اليوم؛ لذلك لم يكن شعره في وصف من تناولهم مصدر ثقة لقارئ أو باحث عن معلومة، ومع ذلك كان شعره ثريا بمعاني اللغة حتى قيل أن قصائده أحد عوامل الحفاظ على اللغة العربية.
عُرف عن الفرزدق حدة لسانه في الرد على خصومه ولطالما دخل مع جرير في مساجلات شعرية وصف جرير الفرزدق بعدها بأوصاف قاسية حتى أنه قال فيه: «لقد ولدت أم الفرزدق فاجرا».
قانون الشعراء الخاص بفرض هيبتهم
كان من قواعد وشروط الفرزدق عند إلقائه الشعر أمام الخلفاء وكبار المسؤولين أن يحفظ الجميع له كرامته وأن يلقي الشعر جالسا دون وقوف.
بلغ الخوف لدى الفرزدق من الحجاج مداه، ومضى الفرزدق يمتدح عدل الحجاج وحاجة العراق إليه وقت حكمه حتى قال:
شَفَيتَ مِنَ الداءِ العِراقَ فَلَم تَدَع.. بِهِ رَيبَةً بَعدَ اِصطِفاقِ الزَلازِلِ
الرقبة ثمن الاعتراض
وقد تأثر الفرزدق بما تأثر به غيره من الشعراء والرعية وقت حكم الحجاج الذي ما وقف أمامه رجل إلا وارتعدت فرائصه، وما ناقشه أحد إلا وأيقن أنه قد يدفع رقبته ثمنا لحدة النقاش حتى تحول الناجون بحياتهم من الجدال أمام الحجاج إلى نوادر في التاريخ العربي.
أراد الفرزدق أن يسترضي الحجاج يوما فقال بشأنه كلاما يبدو مدحا لكنه مبطن بكلمات تدل على جبروت الحجاج وقوته فقال:
إِذا ما بَدا الحَجّاجُ لِلناسِ أَطرَقوا
وَأَسكَتَ مِنهُم كُلُّ مَن كانَ يَنطِقُ
ولم يكن الحجاج مع جبروته وقوته مصدر قلق بالنسبة للفرزدق الذي كان على صلة وثيقة بكبار بني أمية ورجالها ويتعامل معهم بشكل مباشر.
الحجاج يحكم لصالح جرير
كان الفرزدق رغم صلته بخلفاء بني أمية، على خوفٍ من الحجاج الذي امتدح شعر جرير بحقه وقال للفرزدق: إن شعر جرير أفضل منك.. وكان الشعراء من الخلفاء حينئذ بمثابة وزراء إعلام يروجون لقوة الحاكم وانتشاره وشعبيته.
ولما رحل الحجاج قال الفرزدق بحقه:
وَكَانَ إذ قِيلَ اتّقِ الله شَمّرَتْ
بِهِ عِزّةٌ، لا يُسْتَطَاعُ جِدالُها
رحل الحجاج والفرزق وجرير، ويبقى الشعر مدرسة تحوي سجلات الوثائق التي أرَّخت الأدب وأحداث التاريخ على السواء، فكانت بحقٍ شهادات أقرب إلى الحقائق منها إلى الخيال.