إنه داهية العرب وفارسهم الشجاع.. ما وقعت أزمة إلا كان لها بالمرصاد، واجهته أعتى الجيوش فواجهها منتصرا بلا أسلحة ومتقدما بلا جواد.. حتى أن حضوره العسكري في موقع كان نذيرا بنهاية مناوئيه.. فما السر وراء هذا القائد ، وما المواقف الشهيرة التي تملص منها ونجا بنفسه بالحيلة والدهاء؟
هو الفارس الذي تصدر قائمة أذكياء العرب عن جدارة من الجاهلية إلى الإسلام .. إنه الصحابي شديد المراس عمرو بن العاص.. ذلك الفارس الذي لا يُشق له غبار، فقد دخل المواجهات العسكرية وقد وقع عقدا أبديا مع الانتصار.
قبيل فتح مكة أضاء نور الإسلام قلبه وكان شديد الحب والتوقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه.. ويقول – رضي الله عنه – في ذلك «ما رفعت بصري في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حياءً منه».
مراوغة الرومان
أثناء مواجهاته العسكرية مع الرومان في مصر راوغ الرومان ضد عمرو بن العاص الذي راعى الأعراف الدبلوماسية حينما دعاه قائد الرومان وذهب إليه ملبيا دعوته في حصن بابليون، أبدى داهية العرب أقصى درجات حسن النية وذهب مسالما اتساقا مع الأخلاق العربية المعمول بها في مثل تلك الظروف.. لكن الرومان كان لهم خطة أخرى.
جلس قائد الرومان مع «ابن العاص» في حصن بابليون وكان قد دبر خطة سرية للتخلص منه وأصدر أوامره إلى الجنود بأن يلقوا صخرة على ذلك القائد العربي للتخلص منه، ولما أحس عمرو منهم المكر ولاحظ حركات سرية فوق أسوار الحصن.. ماذا فعل داهية العرب في ذلك الموقف الصعب؟؟
اتزان الأبطال في مواجهة المخطط
بكل اتزان انفعالي وبهدوء شديد تمالك ابن العاص نفسه وعاد إلى الحصن كأنه تذكر أمرا هاما.. وقال لقائد الرومان إنه يفضل أن يجتمع ذلك القائد بعدد من أصحاب رسول الله الذين يتصدرون المواجهات العسكرية ويقودون الجيوش، وأعطاه قائمة باسمائهم، بحيث أن ذلك الاجتماع سيكون أفضل من الاجتماع بابن العاص وحده.
دارت رأس القائد الروماني بالمكر، حين سمى ابن العاص له القادة , وانطلت عليه تلك الحيلة فوافق على الفور وغير تعليماته السرية إلى جنوده في حصن بابليون ومنعهم من التعرض لذلك القائد العربي بأي أذى .. بل إنه ودع ابن العاص بسرور شديد.
إشادة من رسول الله
في اليوم التالي لذلك اللقاء لقن عمرو بن العاص القائد الروماني وجيشه درسا لم ينسوه إلى الأبد بعد أن توَّهم ذلك القائد الروماني أنه قادر على تحقيق مأربه.. نال ابن العاص شهادة من رسول الله بشأن فطنته فأثناء العودة من المواجهة التي حملت اسم «ذات السلاسل» منع الجنود بعد النصر من التدفئة ولما وصلت شكوى ضده إلى الرسول الكريم برر موقفه بأنه خشي أن تتضح قلة عدد الجيش الإسلامي أثناء العودة من المواجهة وأشاد الرسول بحسن تصرفه.