الحطيئة.. اسم لشاعر حيَّر بنظمه الشرفاء ولدغ لسانه ما طاله من أعراض، واسمه جرول بن أوس بن مالك العبسي، أبو ملكية، وكان لشعره قوة كبيرة , رغم جرأته ولسانه السليط. سر شهرته وجبروته أنه من الشعراء المخضرمين الذين عاشوا في العصرين الجاهلي والإسلامي فجادت قريحته بقصائد كثيرة.
ادفع المال تسلم
لم يوقف الحطيئة يوما مكابح موهبته لكن حدة لسانه جعلت من شعره كما لو كان سلاحا يحمله صاحب عقل طائش يطيح بمن يطيح وقتما يشاء.. ولم يخصع الحطيئة لنهج الإسلام في تهذيب ألسنة الشعراء ومنع تحويل مواهبهم إلى وسائل هدم تطال قسوتها البلاد والعباد.
وصل الأمر بالحطيئة أن جعل من الشعر وسيلة للتكسب وحصد الأموال من الناس، الأمر الذي يشبه الإتاوة كان يدفعها المتضررون من أشعاره لتفادي لدغاته التي تطال سمعتهم.
حتى سيدات العرب لم يسلمن منه
حتى السيدات لم يسلمن من لسانه حتى أنه هجا ذات يوم امرأة بالمخالفة لطبيعة الرجل العربي فقا بحقها:
لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ * * * وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ
إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ وَجْهِهَا…. تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ
طال أحق الناس بحسن صحابته
ولم لا وهو الذي طال لسانه السليط والدته أقرب الناس إليه فقال:
تَنَحِّي فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا * * * أَرَاحَ اللَّهُ مِنْك الْعَالَمِينَا
أغربالا إذَا اُسْتُوْدِعَتْ سِرًّا * * * وَكَانُونَا عَلَى المتحدثينا
حَيَاتُك – مَا عَلِمْت – حَيَاةَ سُوءٍ * * * وَمَوْتُك قَدْ يُسِرُّ الصَّاحِبِينَا
ما بين هجاء وسب وقذف وطعن في كل قيمة مضى زعيم مدرسة الهجاء يدهس قطار شعره كل ما يقف أمامه وتردد أنه أسلم ثم انسلخ من دينه بعد ذلك.. ولما أن وصل هجاؤه رجلا أحسن إليه وأكرمه علم ذلك الرجل أن الحطيئة ليس له رصيد من الوفاء بعهد أو حفظ الجميل.
بلاغ رسمي إلى الفاروق عمر
قرر ذلك الرجل تصعيد بلاغ رسمي ضد الحطيئة إلى عمر بن الخطاب رأس الدولة الإسلامية ذاته بعد أن هاله وقع الصدمة من ذلك الشاعر الذي طال لسانه يدا امتدت له بالعطاء.
أمر الفاروق عمر بن الخطاب باستدعاء عاجل للحطيئة وقرر أن يتولى بنفسه التحقيق في واحدة من أبشع قضايا السب والقذف بل ونكران الجميل.. وانتهى التحقيق بتوقيف الحطيئة.
هنا بدأ الخوف يدب في نفس الشاعر السليط وأخذ يستعطف بن الخطاب بكلمات مؤثرة كان من بينها:
مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ بِذِي مَرَحٍ * * * زُغْبِ الْحَوَاصِلِ لا مَاءٌ وَلا شَجَرُ
أَلْقَيْت كَاسِيَهُمْ فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ * * * فَاغْفِرْ عَلَيْك سَلامُ اللَّهِ يَا عُمَرُ.
في تلك الأثناء تشفع في شأن الحطيئة عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص حتى خرج ذلك الشاعر من السجن لكن الفاروق عمر أنذره بأنه في حالة العودة إلى ضلاله القديم في الهجاء سيفقد لسانه.