“الله بيني وبين من ظلمني” بهذه الكلمات كان يتمتم سعيد ابن المسيب خلف زنزانة عبدالملك بن مروان، فقد كان سعيد شديدًا في الحق، لا يتملق الحكام ولا يسكت عن خطاياهم.. ولكن هذا كلفه الكثير..
“سعيد ابن المسيب” سيد التابعين وإمام الفقهاء السبعة
عاش ابن المسيب في فترة عصيبة شهدت صراعًا على الحكم بين الأمويين والزبيريين، فكان مقر حكم الزبيريين بمكة ومقر حكم الأمويين بدمشق، ولم يكن ابن المسيب راضيًا عن الجماعتين
فقد كان ابن المسيب رافضًا لنظام ولاية العهد الذي جاء به معاوية بن أبي سفيان والذي حول الخلافة إلى ملك يورث، إلا أنه بعد وفاة معاوية بايع يزيدا بالخلافة، وذلك حفاظًا على الجماعة، ورفض أن ينقض بيعته ليزيد عندما ثار أهل المدينة عليه في وقعة الحرة، فلزم المسجد ولم يفارقه، وكان يقول دائمًا “ما رأيت خيرًا من الجماعة”.
وعلى الجانب الآخر رفض ابن المسيب مبايعة عبدالله بن الزبير، إلا إذا اتفقت عليه الجماعة، وهذا ما جعل جابر بن الأسود ابن عوف الزهري عامل ابن الزبير على المدينة يضربه ستين سوطًا لرفضه ذلك، كانت هذه إحدى محن ابم المسيب ولكن المحنة الثانية تدمي القلوب عند سماعها.
المحنة الثانية لابن المسيب
رغم مبايعة سعيد بن المسيب لعبدالملك بن مروان بعد رحيل ابن الزبير، فإنه رفض طلب عبدالملك بن مروان بأخذ البيعة لولديه الوليد وسليمان وجعلهما وليي عهده، وقد شكلت هذه الحادثة بداية لما عُرف بمحنة سعيد بن المسيب.
كان رفض ابن المسيب يرجع لعدة أمور، منها عدم وجود نص شرعي يستند عليه، وحتى لا تكون هذه البيعة حُجة عليه يوم القيامة، خصوصًا بعد ما قام به عبدالملك عندما تخلص من عمرو بن سعيد بن العاص وإبعاد خالد بن يزيد عن ولاية العهد من أجل تبرير البيعة لولديه.
لكن ابن المسيب كان ذكيًا وبرر رفضه بأن عبدالملك ما زال على قيد الحياة، وأنه لا يبايع لأولاده ما دام عبدالملك حيًا، واستند في موقفه هذا إلى ما يُروى عن الرسول بأنه حرم البيعة لخليفتين في وقت واحد.
ولما كتب عبدالملك إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليأخذ البيعة من أهل المدينة للوليد وسليمان، كره ذلك سعيد بن المسيب، وقال “لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام، بعد حديث سمعته عن رسول الله “، ما أدى إلى ضربه بالسياط ضربًا مبرحا، وطاف به هشام في المدينة ثم أودعه السجن.
محنة أخرى للإمام غائبة عن الأذهان
ويُذكر في سيرة ابن المسيب أيضًا رفضه طلب عبدالملك بتزويج ابنته إلى الوليد بن عبدالملك حين استخلفه وولاه العهد، وكان هذا الرفض ناتجًا معارضته لسياسة الأمويين، مما جعل الخليفة يستشيط غضبًا فأمر بتأديبه حيث ضُرب مائة سوط وصُب عليه الماء في يوم بارد ومنع الناس من مجالسته.
آخر أيام سعيد
كانت حياة سعيد بن المسيب رحمه الله مليئة بالمتاعب والمشاحنات، جرت عليه الكثير من الآلام، فقد تعرض للسجن، والجلد والمقاطعة، وقد ضعف بصره في أخريات حياته، ولما عرض عليه أن يخرج إلى وادي العقيق ليتداوى اعتذر لأن خروجه سيحرمه من حضور الجماعة في مسجد رسول الله.