لولا مجونه لأخذت منه العلم ..هكذا تحدث الامام الشافعي عن الشاعر أبو نواس الذي على الرغم من خلاعته والمجون الذي كان فيه ولكنه من أكثر الشعراء إثارة للجدل في الأدب العربي، وهو أحد عظماء الأدب العربي الكلاسيكي، حتى إنه لقب بشاعر المسكر لعشقه الكبير للمسكرات وكثرة نظمه الشعر عنها ..فما هي حكايته سأحكي لكم
اسمه الحقيقي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح ويُكنى بأبي نواس أو أبي علي، ويُقال إنه سُمي بأبي نواس بسبب ضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه.
ولد أبو نواس لأب دمشقي وأم أهوازية من بلاد عربستان وولد في مدينة الأهواز سنة 762م، انتقلت أسرته إلى البصرة وهو ابن عامين، وقيل ابن ستة أعوام بعد معركة الزاب الأعلى، وبعدها مات أبوه فأرسلته أمه إلى الكتاب لتلقي العلم، وبعدها أرسلته إلى العطار ليعمل عنده أجيرًا.
عرف عنه شدة الملاحظة والإحساس العنيف والبلاغة والفصاحة والذكاء، وكان زعيم الشعر ولكنه تاب واتجه إلى الزهد ونظم من الشعر ما يدل على توبته.
وعند بلوغ أبي نواس الثلاثين كان ملمًا بالشعر والأدب والعلوم الإسلامية من فقه وحديث وأحكام قرآن، فكان فقيهًا عارفًا بأحكام الفقهاء وعارف بأحكام القرآن ومتشابهه.
اتصف شعر أبي نواس بالمجون والغزل في المسكرات والخلاعة، فكان يصف المسكرات بامرأة ، وعشق جارية تدعى “جنان” وغناها في الكثير من شعره.
وكان يطمح أن يذهب إلى بغداد عاصمة الخلافة وقتها، فقصدها وامتدح هارون الرشيد ونال مكانة لديه، ولكنه كان يحبسه عقابًا لما يورد في شعره من مباذل ومجون، وأطال حبسه حتى عفا عنه بشفاعة البراكمة الذي اتصل بهم أبو نواس ومدحهم.
وبعد خروجه من الحبس انتقل إلى دمشق ومن ثم إلى مصر قاصدًا الفسطاط عاصمتها آنذاك، واتصل بوالي الخراج ومدحه بغمره بالعطاء.
وبعد وفاة هارون الرشيد خلفه ابن الأمين، فعاد أبو نواس إلى بغداد واتصل به، ولكن بسبب خلاعة شعره كان خصوم الأمين يعيبون عليه اتخاذ شاعرًا خليعًا صديقًا له، فاضطر الأمين إلى حبسه.
لم يعد أبو نواس المسكرات وسيلة للفرح والنشوة فقط بل زاد على ذلك أنه رأي فيها الحياة، فتصورها إنسانًا لها روح، ورآها مادة روحانية تتصف باللطافة، فأصبحت من نظره من المعقولات التي من المفترض أن يعشقها ويناجيها.
لُقب أبو نواس بشاعر الغزل والغلمان، وكان في غزله جهرًا بالفسق، فغزله كان وراءه اندفاعه وراء الحياة، فرغب أن يحي حياة مليئة بالمتعة والسعة.
فرافق المسكرين والشطار والشذاذ وتقلب في كل حال مجربًا كل أنواع المجون، توفي في عام 813 ميلاديا ووجدت هذه الأبيات مكتوبة في ورقة تحت وسادته:
يارب إن عظمـت ذنوبي كثرةً فلقـد علمتُ بأن عفوك أعظمُ
ويقال إن الإمام الشافعي حين قرأ هذه الأبيات..سالت دموعه وصلى عليه صلاة الجنازة.