كان للراحل هيثم أحمد زكي، أمنية كتبها في طفولته وهي “بابا أنت وحشتني نفسي أقعد معاك”، وذلك بعد أن انشغل عنه والده لظروف عمله، لكن لم يعلم هيثم بأنه تلك الأمنية ستُحقق بعد سنوات قليلة، وأن يرافق والده للأبد، في الحياة الآخرى، بعد أن خطفهما الموت، وهما في سن مبكرة، فلم يستطع شيء بعد أن يفرقهما مرة أخرى، حيث جمعهما مقبرة واحدة، أغلقت أبوابها بقفل، غير مسموح بإخراج من فيها، وكأنه آن الأوان للأب أن يحتضن ابنه، ويضمه بين ضلوعه، ليعوضه عن الحنان والحرمان، الذي عانى منه هيثم أحمد زكي.
وفي رسالة كتبها الأبن هيثم، للأب أحمد زكي، يستعطفه ويعتذر له، ربما عن أمر يرتكبه كل الأطفال في جيله، وربما ايضًا أنه لم يفعل شيئًا، لكن ظن أن والده يبتعد عنه لخطأ ارتكبه، فقال هيثم في رسالته المؤثرة لوالده، الذي يرجوه فيها بأن يعود له: يا بابا أنت وحشتني أوي أوي، نفسي أقعد معاك، أروجوك رد عليّ، أو كلمني ولو لسة زعلان مني أنا أسف، بس عايز أشوفك، وخلي بالك من نفسك يا بابا، أنا كويس مش عايز حاجة، بحبك أوي يا بابا.
عانى هيثم أحمد زكي من الوحدة طوال حياته، فبعد أن فتح عينه على الحياة، رأى والده ووالدته منفصلان، وكلًا منهما يعيش في مكان غير الآخر، فلم يعش الطفل حياة سوية مثل باقي أبناء جيله، ولم تكن هذه الصدمة الأولى في حياته، بل صُعق الطفل صاحب الـ 4 سنوات بوفاة والدته، وبعد أن شب الطفل، صدم بوفاة جده، لتلحق به جدته، ثم خاله، فكان الموت شبحًا يطارد هيثم منذ الطفولة، لكن ليست هذه المحطة السوداء فقط في حياة هيثم، بل كانت الخسارة الكبرى في حياته عند وفاة الأب أحمد زكي، فلم يفيق هيثم من الصدمة، إلا عندما جاء دوره وطارده شبح الموت، ليرتاح الجسد من الخوف والحرمان عند دفنه بمثواه الأخير مع والده.