ظل العقل المدبر في رئاسة الجمهورية طيلة سنوات حكم مبارك. نجا من سطوة الشهرة المكلفة وإن كان اسمه قد ورد مستدعى في قضايا تتعلق بالثروة والنفوذ والتمتع بمزايا نوعية من المنصب الحساس.
«إنه الرجل الغامض الخطير.. بل إنه الأخطر من حيث القوة والتأثير».. كان ذلك هو الوصف الأنسب للعقل المدبر الذي عرف بين جميع العاملين في رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بنفوذه القوي.
لم يكن الرجل الذي ولد في حي السيدة زينب بالقاهرة والتحق بكلية التربية الرياضية التي أتبعها بدراسة لمدة ستة أشهر في الكلية الحربية أن يكون سكرتير الرئيس المصري.
بدأت رحلة صعود جمال عبد العزيز بزواجه من ابنة محافظ القاهرة «عبد الفتاح البنداري».. وهنا كانت الخطوة الأولى نحو صعود متسارع.. وهو وفق توصيف شريف البنا رئيس الإدارة المركزية برئاسة الجمهورية «الرجل الذي كان يمكنه القدرة على تحويل دماغ مبارك».
علم الجميع بدور رجل السر في القصر الجمهوري في عهد الرئيس السابق فبقاء أي وزير أو محافظ على كرسه مرهون بتقييمه لدى سكرتير الرئيس.
أثبتت تجارب المسؤولين ورجال الأعمال في عهد مبارك أن جمال عبد العزيز كان صادقا في وصف نفسه بأنه الرجل صاحب مفتاح اللمبة الحمراء في رأس مبارك.. جميع أسرار القصر والحكم كانت موضوعا للمسامرات والتقارير التي كان لها أهمية خاصة لدى الرئيس الأسبق.
ولكن كيف وقع اختيار مبارك على جمال عبد العزيز؟
عمل جمال عبد العزيز من خلال العلاقات الكبيرة التي كان يتمتع بها زوج أخت زوجته في المكتب العسكري المصري في الكويت.. وهناك قاده الحظ إلى الوصول إلى قلب مبارك.
كان مبارك حينئذ نائبا للرئيس أنور السادات وفي زيارة رسمية قام بها مبارك إلى الكويت بذل جمال عبد العزيز قصارى جهده وعرف مبارك بنفسه.. بعد ذلك أمر مبارك جمال عبد العزيز بأن يعمل معه.
في دهاليز القصر الجمهوري كان جمال عبد العزيز حاضرا بقوة.. لا ورقة يمكن توقيعها ولا قرار يصدر دون مشورة سكرتير الرئيس مبارك ومصدر ثقته الأول.
قويت العلاقة بين جمال عبد العزيز سكرتير الرئيس مبارك وبين زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية.. ولكل منهما مصالحه.. لكن تأثير الرجلين على توجهات مبارك وقراراته يؤكد أنهما لم يكونا مجرد مسؤولين في بلاط الرئيس فقط بل كان لديهما القدرة على «برمجة» عقله.
قبل عام ألفين كان جمال عبد العزيز قد بدأ التأهب لحياته بعد سن المعاش لكن صديقه زكريا عزمي استحدث له منصب «رئيس السكرتارية» بحيث يضمن التجديد لمستودع أسراره أحد عشر عاما وقد كان ما أراده.
زوجة جمال عبد العزيز هي «ماجدة عبدالفتاح البندارى» وكانت السيدة صاحبة الثروة والنفوذ الذي يعادل قوة مركز زوجها ومكانته، وهو ما يفسر سر شركات النظافة التي ظهرت في عهد مبارك وبقيت رغم أن حصيلة جهودها كانت صفرا كما ورد اسمها مع بناته في قضايا الكسب غير المشروع التي تم فتحها بعد ترك مبارك الحكم.
قدرت ثروة جمال عبد العزيز التي تملكها وعائلته إبان فترة عمله سكرتيرا للرئيس الراحل بالملايين فضلا عن امتلاكهم شقفا سكنية وفيلل، وكان الأخطر من الثروة هو ذلك اللقب الذي ناله جمال عبد العزيز وزكريا عزمي لدى كبار مسؤولي الدولة ورجال الأعمال إذ اشتهر الاثنان بأنهما «ثنائي القصر».
في الثاني من فبراير عام 2011 وبعد أسبوع من أحداث الخامس والعشرين من يناير التي انتهت بترك مبارك الحكم كانت الاتصالات تتوالى على رئاسة الجمهورية. وكان جمال عبد العزيز حلقة الوصل الوحيدة بين مبارك وكبار الشخصيات التي اتصلت بمبارك.. وهو ما يفسر تأخير التحقيق مع جمال عبد العزيز بعد ترك مبارك الحكم.