أسرار لا تعرفها عن أشهر عمارة في وسط البلد «الإيموبيليا»، تذخر منطقة وسط البلد بالقاهرة بالعديد من المباني التاريخية، ومن بينها عمارة تلك العمارة، والتي تقف على ناصيتي شارع شريف وقصر النيل، كأعلى عمارة في مصر في زمنٍ كانت منطقة وسط القاهرة من أرقى الأحياء ولا يدخُل شوارعها إلا أبناء الطبقات الراقية.
وهذه الفترة كان محظورًا على من يرتدي جلبابًا أن يقترب من شوارع سليمان باشا «طلعت حرب»، والملكة فريدة «عبدالخالق ثروت»، ومن يدخل هذه الشوارع يتم القبض عليه فورًا، لأنها مقتصرة على الخواجات والأجانب واليهود والأثرياء والفنانين، وفقًا لوصف الكاتب محمود معروف عن تلك الفترة، في كتابه المعنون باسم «عمارة الإيموبيليا».
ونستعرض في التقرير التالي أبرز أسرار لا تعرفها عن أشهر عمارة في وسط البلد «الإيموبيليا»:
بناء العمارة:
بدأ بناء العمارة عام 1937، كشركة مساهمة اسمها شركة الإيموبيليا، حيث امتلك أحمد باشا عبود 50%، وامتلك الشركاء إسماعيل باشا صدقي وحسين باشا سري وألفونس ألفي وزهير جرانة والخواجة نصيري بقية الأسهم.
وكانت العمارة عبارة عن برجين على شكل حرف U باللغة الإنجليزية، كل برج ضمّ 13 طابقًا، وكل مبنى لهُ 3 مداخل عمومية، عُرفت باسم «بريمو» للسكان، و3 مداخل عمومية «بريمو» للسكان أيضًا، و3 مداخل «سكوندو» للخدم والحشم والباعة وعمال النظافة، وبكل مدخل 3 مصاعد و3 سلالم للطوارئ.
كان في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي، رجل يُدعى أحمد عبود باشا، أحد أغنى أغنياء مصر، حيثُ كانت تُقدّر ثروته بأكثر من 10 ملايين جنيه، وكان يملك شركات السُّكر في الحوامدية، شركات الأسمدة، وشركة كرافت لتصنيع الأوراق، بجانب نصف أسهم البنك الأهلي المصري.
قرر رجل الأعمال الصري أحمد عبود باشا بناء عمارة «الإيموبيليا»، حيث تتكوّن العمارة التي أصبحت الأشهر في القاهرة، من 350 شقة.
عشيقة الملك:
كان الملك فاروق، آخر ملوك مصر يتردّد على عمارة «الإيموبيليا» من حين لآخر ليُقابل الممثلة اليهودية، كاميليا، فكان يصعد للطابق التاسع، حيثُ تسكن.
وقال الكاتب محمود معروف، في كتابه «عمارة الإيموبيليا»، على لسان حارس العقار، عم عوض: «إن الملك فاروق كان يأتي إلى العمارة بحجة زيارة أحد رجال السراي، وهو اللواء أحمد باشا كامل في الطابق الثامن، والذي كانت تسكُن إلى جواره الفنانة كاميليا، فكان يقضي بعض الوقت عند أحمد كامل بالفعل ثم ينتقل إلى شقة كاميليا التي تُقيم بمفردها، ويقضي عندها بقية السهرة حتى الصباح».
ويستكمل عمّ عوض حكايته، ضاحكًا: «كنت صبيًا صغيرًا، وذات مرة صعدت مع الملك فاروق كعامل مصعد، وداعبني وسألني عن اسمي ثم وضع أصبعه في صدري، وشعرت ساعتها أن أصبعه سيخترق صدري ويخرج من ظهري، ولم أستطع أن أصرح وأتكلم، وبعد نزوله أصبحت أتنفس طبيعيًا».
نجوم في عمارة الإيموبيليا:
سكَن الإيموبيليا أشهر الفنانين المصريين: نجيب الريحاني، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، محمد فوزي، مديحة يسري، أنور وجدي وليلى مراد، محمود المليجي، كاميليا، أسمهان، أحمد سالم، ماجدة الصباحي، عبدالعزيز محمود، كمال الطويل، هنري بركات، كمال الشيخ، عزيزة أمير، محمود ذو الفقار، وماجدة الخطيب.
بجانب تردُّد بعض الفنانين، أمثال أم كلثوم، فريد الأطرش، كارم محمود، فريد شوقي، نيازي مصطفى، سامية جمال، تحية كاريوكا، شكري سرحان، كمال الشناوي، شادية، صباح، شريفة فاضل، هند رستم، وغيرهم لزيارة أصدقائهم.
أغنياء القاهرة:
كانت الإيموبيليا تضم أغنى أغنياء مصر، خاصةً بعد صدور قرارات عبدالناصر الاشتراكية، ولأنّ عبود باشا كان أحد ملاك العمارة، خصص إحدى الشقق التي تخصُه لاستقبال لاعبي النادي الأهلي القدامى، صالح سليم، طه إسماعيل، رفعت الفناجيلي، ميمي الشربيني، فؤاد أبو غيدة، مروان كنفاني، سعيد أبو النور، طلعت عبدالحميد، وعادل هيكل.
كان بين السكان عدد من أثرياء اليهود، في مقدمتهم الخواجة ريمون شملا، صاحب محلات «شملا»، وسلفادور شيكوريل، صاحب محلات «شيكوريل»، والخواجة مواليس موصيري، صاحب بنك موصيري بشارع جواد حسني، والخواجة ريمون موصيري، أكبر تاجر ذهب في شارع الملكة فريدة، الذي أصبح فيما بعد شارع عبدالخالق باشا ثروت، وكان الخواجة ريمون يُرسل هدايا ثمينة من الذهب والألماس إلى الملكة نازلي، والدة الملك فاروق، لكي تضغط على ابنها، فاروق، كي يقوم بتنصيبه ملكًا على اليهود في مصر.
وكان من السُّكان أيضًا، اللبنانية لولو صيدناوي، شقيقة سمعان صيدناوي، والتاجر الفونس ألفي، وامرأة روسية يهودية اسمها إيريني كردوش، التي كانت متزوجة من الخواجة اليهودي، ميشيل كردوش، ولما مات صادقت عددًا من الضباط المصريين في تلك الفترة، وانتشرت وقتها شائعة أنها تمد أجهزة المخابرات الأجنبية بمعلومات كثيرة.
أفلام سينمائية في «الإيموبيليا»:
تم تصوير فيلمين سينمائيين بعمارة الإيموبيليا، أحدهما بجراجها وهو فيلم «حياه أو موت» للفنان عماد حمدي والفنانة مديحة يسري، وفيلم «قصه ممنوعة» لمحمود المليجي وماجدة.
كما أوحت لصلاح أبوسيف بتصوير فيلم «بين السماء والأرض» الذي حقق نجاحًا كبيرًا في عام 1961.
نوادر العمارة:
وعن نوادر عمارة «الإيموبيليا»، قال حارس العقار إن محمد عبدالوهاب كان يدخل العمارة ويخرج منها ممسكًا بيده منديلًا يضعه على فمه باستمرار، لأنه كان يخشى البرد والأنفلونزا، كما كان يخشى العدوى والأتربة، مضيفًا أنه كان بخيلاً ولا يدفع بقشيش.
وشهدت الإيموبيليا عدة أحداث مهمة أيضًا، مثل إشهار ليلى مراد إسلامها، واشتراك نجيب الريحاني لأول وآخر مرة في بطولة فيلم سينمائي مع ليلى مراد وأنور وجدي، وهو فيلم «غزل البنات»، وفيما بعد اضطر بعض السكان لترك الشقق، مثل أنور وجدي الذي ترك شقته بعد أن تم الطلاق بينه وبين زوجته ليلى مراد.