قدم المخرج المصري الكبير طارق الكاشف في فيلمه «عرق البلح»، قرية صغيرة بالصعيد، يعيش سكانها في فقر مدقع، مما يدفع جميع الرجال إلى السفر للعمل بدول الخليج، عدا الجد العاجز وحفيده أحمد ومجموعة كبيرة من النساء.
تلك القرية التي تخلو تمامًا من الرجال، تتشابه كثيرًا مع جزيرة «كيهنو»، الموجودة في بحر البلطيق قبالة سواحل أستونيا، حيث تسيطر النساء على جميع الأمور في تلك الجزيرة التي هجرها الرجال إلى البحر.
كيهنو
«كيهنو» تعد واحدة من أصغر البلديات في أستونيا وتنتمي إلى مقاطعة بارنو، ويبلغ مساحتها 16.4 كيلومترا مربعا، وهي الجزيرة الأكبر في خليج ريجا وسابع أكبر جزيرة في البلاد، وتتميز بطقس معتدل في الصيف والجليد يغطيها في الشتاء.
604 امرأة
الجزيرة الخضراء يعيش عليها 604 أشخاص بينهم 400 امرأة و69 تلميذة، ويرجع سبب سيطرة النساء على الجزيرة المعروفة بـ «جزيرة النساء» إلى العصور القديمة، حيث يعيش الرجال خارج الجزيرة في البحر لصيد الأسماك لشهور طويلة، ويتركون زوجاتهم وأطفالهم خلفهم على سطح الجزيرة، إلا أن ذلك الأمر رفضه عدد من ساكني الجزيرة.
أجبرت غريزة البقاء نساء «كيهنو» على السيطرة على الجزيرة وأصبحن مسئولات عن كل صغيرة وكبيرة أثناء غياب الرجال، بداية من التعامل مع مسائل الحكم إلى الحفاظ على تقاليدهن وثقافتهن، فضلا عن تربية الأطفال والعمل في الحقول.
ماري ماتاس
تحكم الجزيرة ماري ماتاس، التي شغلت منصب زعيم الجزيرة ورئيس هيئة الثقافة المحلية، وتقول إن نساء كيهنو لا يملكن أي موقف عدائي تجاه الرجال، لكن بُعدهم عن الجزيرة لفترات طويلة هو السبب الذي جعل النساء قويات ومستقلات لدرجة كبيرة.
وفى نوفمبر 2003، أعلنت اليونسكو الجزيرة باعتبارها من روائع التراث الشفهي وغير المادي للبشرية، حيث يشمل التراث الثقافي للجزيرة الألعاب والموسيقى والحرف اليدوية والملابس، وتعد الموسيقى واحدة من سمات الجزيرة، فالنساء يجدن الغناء والرقص خلال احتفالاتهن الدينية وغيرها، وينشدون الأغاني الشعبية القديمة، التي تعود إلى أكثر من 2000 عام.
أزمة مرورية
«جزيرة النساء» واحدة من الأماكن المثيرة للاهتمام، فهي لا تعاني من أزمات مرورية نهائيًا، ويرجع ذلك إلى اعتماد أهلها على الدراجات في التنقل، وتعتمد على تعليم الأطفال الثقافة والتقاليد في الأيام الأولى في المدرسة، فضلا على تعلم عزف الموسيقى ولهجة كيهنو، التي تختلف عن اللغة المستخدمة في البر الرئيسي في أستونيا.
نساء «كيهنو» يرتدين دائمًا ملابس تقليدية مزينة ذات ألوان زاهية ترمز إلى الأساطير والقصائد القديمة، عبارة عن تنانير مخططة يغلب عليها اللون الأحمر، بالإضافة إلى الألوان «الوردي والأخضر والأصفر والأبيض والأزرق»، ويغطى بعضهن رأسهن بوشاح مزخرف بالزهور، بالإضافة إلى قميص مزركش، وغالبا ما يجتمع السكان في مركز المجتمع، وهو متحف الجزيرة، للرقص وغناء الأغاني التقليدية.
السياحة
تعتمد الجزيرة في اقتصادها على السياحة، حيث يجذب ريفها المتميز وثقافتها الغريبة آلاف السياح سنويا، ويقصدها الزوار من اليابان والصين والأوروبيين وغيرهم من البلدان البعيدة، كما يعتمد السكان المحليون على كسب رزقهم من الصيد والحياكة والحرف والمنتجات الزراعية.
ورغم الطبيعة الهادئة التي تميز الجزيرة وقدرتها على جذب الأنظار إليها، فإن مهمة الحفاظ على التراث والثقافة الفريدة من نوعها ليست أمرًا هينًا، وأصبحت تحديًا يواجه أهل الجزيرة، خاصة أن عدد السكان شرع في الانخفاض؛ بسبب نقص فرص العمل وانتقال الشباب إلى مدن البر الرئيسي من أجل الدراسة أو العمل في مهن أفضل، وأصبح جيل الشباب يرى جزيرة «كيهنو» مقصدا جيدا لقضاء العطلات مع العائلات بدلا من مكان يعيشون فيه للأبد.