أربعين مليون سنة لم تؤثر فيه.. طوته الرمال في أعماقها ولم يطوه الزمن. ذلك السر الدفين في واحد من أغرب الأودية المصرية التي لم يقف العلماء بمختلف تخصصاتهم على جميع أسرارها بعد.
إنه واحد من أشد الأودية المصرية غرابة وهناك في قلب الصحراء حيث لا صوت يعلو إلا زفيف الرياح بين حين وآخر، الموقع لا يوحي شكله الظاهر بأن فيه ثروات سوى الرمال، لكن هذه الرمال تحوي الكثير من الأسرار التي ربما لم يصل إليها بشر حتى الآن.
إنه وادي الحيتان الذي يعد أحد المواقع النادرة في مصر بما يحتويه من حفريات نادرة تم إدراجها كأحد المواقع الهامة تاريخيًّا وجغرافيًّا لدى منظمة اليونسكو. باعتباره موقعا مميزًا للتراث العالمي.
يوجد الموقع المشار إليه على بعد نحو حوالي مائة وخمسين كيلومترا عن العاصمة القاهرة وتصل المسافة بينه وبين محافظة الفيوم إلى تسعين كيلومترا.
أما المساحة الإجمالية لوادي الريان فتتجاوز أربعمائة كيلومتر مربع، حيث المنطقة الصحراوية الشاسعة قرب سفح جبل تليد يطلق عليه اسم «جبل جهنم» ويطلق عليه بعض العامة «وادي المساخيط» وتضم المنطقة محمية هامة للحيوانات النادرة. ويسمي البعض تلك المساحة «وادي العجائب».
برغم وعورة المنطقة الجبلية التي تقع في قلب الصحراء على مقربة من الحدود المصرية الليبية إلا أنها لا زالت مقصدا للسائحين وعشاق المغامرات والباحثين الذين يحاولون الوصول إلى المزيد من أسرار التاريخ الجيولوجي للمنطقة .
العلماء يرون تلك المنطقة كنزًا ثمينًا للحفريات النادرة التي طمرتها الرمال في جوف الصحراء القاحلة.. خبراء الجيولوجيا لا زالوا في حيرة من أمرهم بشأن أسرار وادي الحيتان ويشددون على أن أسراره لم تتكشف جميعها بعد. إذ تظل في حاجة إلى مزيد من الجهود البحثية المتواصلة للوقوف على حقيقة الحفريات النادرة أسفل تلك التلال.
عمليات البحث والتنقيب عن تلك الحفريات ليست بالأمر الهين. حيث تستغرق فترات طويلة وتتطلب مزيدًا من الجهود والميزانيات الضخمة.. التنقيب في وادي الحيتان يتطلب أيضًا تنسيقًا متواصلاً بين أكثر من جهة تشمل علماء الآثار والجيولوجيا. إذا توافرت الإرادة الجادة في مباشرة جهود بحثية تقود إلى التعرف على أسرار ذلك الموقع العالمي الفريد من نوعه.
تستهدف عمليات التنقيب الوصول إلى هياكل عظمية لثديات بحرية من الحيتان آكلة اللحوم والتي يصل وزن أحدها إلى ما يتجاوز ستين طنا.. وتشير تقديرات علماء الجيولوجيا إلى أن تلك المنطقة كانت في أحد العصور الجيولوجية التي يتجاوز عمر الواحد منها ملايين السنين، كانت قاعا لمحيطات وعاشت فيها كائنات بحرية عديدة.
العلماء يشيرون آيضًا إلى أن بقايا الهياكل البيضاء التي يتم العثور عليها ويظنها السكان القريبون من منطقة وادي الحيتان بقايا هياكل عظمية بشرية إنما تعود في حقيقتها إلى أحياء بحرية.
الغريب أن تلك الأحياء البحرية اختفت تمامًا من على وجه الأرض بعدما غطى بحر التيثس،وهو البحر القديم الذي كان يفصل بين القارات خلال العصور الجيولوجية المختلفة. ثم انحسر ذلك البحر رويدا رويدا قبل أربعين مليون عاما وهنا كانت المفاجأة.. حيث وجدت تلك الحيوانات نفسها رهن حصار نهائي قبل اندثارها في قاع بحر تحول إلى رمال في صحراء قاحلة.
وتتعدد أنواع الأحافير الموجودة في تلك المنطقة بين حفريات تشير إلى وجود كائن الباسيلوصور. ووفق تقديرات الباحثين ستتضمن أهداف التنقيب الجاد عن الحفريات الوصول إلى ما يربو عن ألف كائن من تلك الأحياء. لتثبت مستقبلا أن صحراء مصر وإن بدت قاحلة لكنها غنية بمزيد من الأسرار والكنوز التي لم يتم اكتشافها بعد.