هناك العديد من الصحابة – رضوان الله عليهم – نزلت فيهم آيات من القرآن الكريم، لكن لم يذكر أسماءهم صراحة في كتاب الله، لكن هناك صحابي جليل وحيد هو الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم ألا وهو الصحابي الجليل: “زيد بن حارثة – رضي الله عنه – “.
يقول الله تعالى في سورة الأحزاب (آية: 37) :{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا}
جاء في تفسير السعدي متحدثا عن سبب نزول هذه الآية الكريمة، “إن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه وأن أزواجهم، لا جناح على من تبناهم، في نكاحهن، حيث كان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من رسوله، وفعلاً، وإذا أراد اللّه أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى “زيد بن محمد” قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فصار يدعى إليه حتى نزل { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ} فقيل له: “زيد بن حارثة” ..
وتحدث الشيخ العلامة السعدي أيضا عن الفوائد التي اشتملتها هذه الآية القرآنية الكريمة وهي الثناء على الصحابي الجليل زيد بن حارثة – رضي الله عنه -، حيث جاء ذلك على وجهين ألا وهما : “أن اللّه سماه في القرآن، ولم يسم من الصحابة باسمه غيره، أما الوجه الثاني: أن اللّه أخبر أنه أنعم عليه، أي: بنعمة الإسلام والإيمان. وهذه شهادة من اللّه له أنه مسلم مؤمن، ظاهرًا وباطنًا، وإلا، فلا وجه لتخصيصه بالنعمة، لولا أن المراد بها، النعمة الخاصة”.
الشيخ خالد الجندي في كتابه (الرد على ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم من شبهات) قصة تبني النبي – صلوات الله عليه – لزيد بن حارثة شارحا إياها قائلا: “كان زيد بن حارثة قد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حباشة وهي سوق بناحية مكة كانت مجمعا للعرب يتسوقون بها في كل سنة اشتراه حكيم لخديجة بنت خويلد فوهبته خديجة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتبناه رسول الله –صلى الله عليه وسلم – بمكة قبل النبوة وهو ابن ثماني سنين، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكبر منه بعشر سنين وقد قيل بعشرين سنة”.
وتابع: الشيخ الجندي في كتابه متحدثا عن قصة زواج زيد بن حارثة – رضي الله عنه – بزينب بنت جحش – رضي الله عنها – قائلا: “إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هو الذي تولى ذلك له، لكونه مولاه ومُتبناه فخطبها من نفسها على زيد، فاستنكفت وقالت أنا خير منه حسبا، فروي أن الله أنزل في ذلك قوله :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (سورة الأحزاب – أية :36
واضاف فاستجابت طاعة لله وتحقيقا لرغبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وقد عاشت مع زيد حوالي سنة، ثم وقع بينهما ما يقع بين الرجل وزوجته، فاشتكاها زيد – رضي الله عنه – للنبي – صلى الله عليه وسلم – لمكانتهما منه، فإنه مولاه ومتبناه وزينب – رضي الله عنها – بنت عمته أميمة، وكان زيدا عرض بطلاقها فأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – بإمساكها والصبر عليها، وكان ذلك ممنوعا في الجاهلية، فعاتب الله نبيه في ذلك : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ
وبعد طلاق السيدة زينب بنت جحش – رضي الله عنها – وانتهاء عدتها خطبها النبي – صلى الله عليه وسلم.
وكان لزواج النبي – صلوات الله عليه – من السيدة زينب بنت جحش – رضي الله عنها – بعد طلاقها من زيد بن حارثة – رضي الله عنه – شأن عظيم عند الناس، “ففي هذا الزواج ساوى الإسلام بين الحر والعبد، ولم يعد العبد يشعر بعبوديته ولا الرقيق برقه”، وفقا لما جاء في كتاب (زوجات النبي وحكمة تعددهن) لعبد الغني عبد الرحمن محمد، لأن العرب قديما كانوا يأنفون من أن يختلطوا بأدعيائهم اختلاط مصاهرة أو نسب، كما “أنه بهذا الزواج قضى الإسلام على بدعة التبني إذ كان الرجل إذا تبنى ولدا يتخذه ابنا له ويعطيه حقوق البنوة المطلقة فيورث ولا يتزوج زوجته من بعده ولا يؤثر أحدا عليه”.