يبدو مشهده موحشا ليلا بعيدا عن الأنظار نهارا في رغم توهج الشمس، لا يكاد صاعدوه يصلون إلى ارتفاعات عالية في تسلقه حتى يرو الناس بأحجام الدمى الصغيرة لكنهم لا يعلمون أنهم هم أنفسهم على ذات الهيئة.
تروي صحراء مصر المزيد من العجائب والغرائب التي ترتبط في أذهان الناس بقصص تجذب الأبصار من فرط غرابتها وتحديدا في المواقع البعيدة عن العمران والناس ومن تلك المواقع جبل المدورة.
هناك على بعد مائة وخمسين كيلومترا جنوبا عن محافظة القاهرة تبدو الصحراء موحشة صعبة لكن على ذلك تجميع بين الغرابة والخيال وتفتح شهية عشاق المغامرات إلى خوض تجارب جديدة حتى وإن كانت تلك التجارة صعبة المصير أو تؤدي إلى احتكاك بما يرويه الناس القريبون من تلك المنطقة عما يسمى «سيطرة الجان».
إنه جبل «المدورة» حيث الهدوء التام في محمية وادي الريان وما أن يحل الليل فلا يسمع زائر ذلك الجبل إلا همسا، وتتزايد التخيلات لدى الغرباء عن تلك المنطقة حال زيارتها ارتباطا بظهور ما يسميه أهالي الفيوم بالبحيرة المسحورة.
حتى الآن لم يقف المتابعون على حقيقة تلك التسمية التي ارتبطت ببحيرة «قارون» ولم يتضح سبب تسميتها «المسحورة» لكنها في جميع الأحوال مصدر خير لمن زارها خصوصا أيام الأعياد حيث اعتاد الأهالي ارتيادها لطهو الطعام ومنهم من يفضل تناول اللحوم أيام عيد الأضحى على شواطئها.
يفضل الأهالي أن تكون البحيرة وجهتهم بينما يقبل الشباب على تسلق «جبل المدورة» في تحد يرونه أنه الأنسب لمرحلتهم العمرية فيقررون خوض مغامراتهم الجبل بمسابقات ربما لا تروق كثيرا لكبار السن.
يتحدى شباب الزائرين إلى المنطقة المليئة بالغرائب حرارة الصيف وبرودة الشتاء للتمتع بما يجذب أعينهم من مشاهد خلابة حيث يقع موقع جبل المدورة على مقربة من منخفض الفيوم المعروف بمائه العذبة وخضرة المساحات الشاسعة المحيطة به.
تتميز المنطقة التي يقع فيها جبل المدورة على مسافة ليست بعيدة من البحيرة السفلى وهي تلك المنطقة التي تحولت إلى مصدر جذب لجميع زائريها حيث تحولت مشاهدها التي تمزج صفرة الجبل بخضرة المساحات القريبة إلى مادة ثرية للمصورين وعشاق الطبيعة.
جغرافيا لا يعد «جبل المدورة» اسم على مسمى فهو في أصله هضبة تشكلت من مجموعة من التكوينات الجيولوجية الفريدة التي تعد مصدر معلومات ثرية للباحثين في هذا المجال.
تعد التكوينات الجيولوجية في جبل المدورة أدلة دامغة على حياة متكاملة في حقب جيولوجية متعددة تمتد إلى حوالي خمسة وأربعين مليون عام وفق المختصين بعلوم الأرض.
دفع ظهور بعض الحفريات القديمة أسفل الرمال غير المختصين إلى اختلاق ادعاءات شبيهة الصياغة بالمواد الدرامية عن ظهور ما يسمى سطوة الجن على جبل المدورة. بينما لا حقيقة مطلقا لهذه الإدعاءات؛ لأن تلك الحفريات تشير إى الحقب الجيولوجية الممتدة إلى أزمة سحيقة وربما كان الهدوء الزائد في المنطقة ليلا أيضا أحد أسباب اختلاق الأساطير عنها.