نقطة تضيع من حرف سهوا، وأخرى تسقط بالخطأ على آخر، تتسبب في أزمات وصلت إلى رئاسة الجمهورية المصرية، ويترتب عليها تحقيقات موسعة ربما تنتهي إلى الإطاحة بمسؤولين كبار من مواقعهم، فإلى أي حد تحمل تلك المهنة حساسية بالغة، وما الطريقة التي يمكن أن يتفادى أهلها خطر مواجهات تؤدي إلى نهايتهم.
«نهاية.. جمال عبد الناصر اليوم في باكستان» جملة تصدرت أحد عناوين صحيفة أخبار اليوم المصرية، وتركت تداعيات صعبة، بينما تدخل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر – حينذاك – بإجراءات حاسمة.
كانت الأزمة أن الصفحة الأولى لجريدة الأخبار تم إخراجها بطريقة تضمن لفت نظر القارئ وتم نشر عنوانين دون فصل بينهما، فكان احتمال فهم معناها بالخطا ورادا جدا لدى القارئ.
كان السطر الأول من العنوان يشير إلى قصة خبرية، تتعلق بالقبض على مجرم شديد الخطورة بعد فترة من الملاحقة الأمنية، حيث نجح أحد الصحفيين في الوصول إلى تفاصيل تهم القارئ، الذي كانت الصحافة وقتها مصدره الأهم للحصول على المعلومة الصادقة قبل انتشار بقية وسائل الإعلام، أما الجزء الثاني من العنوان فكان يشير إلى تقرير داخلي في ذات الصحيفة، يتحدث عن أحد الجولات الرسمية الهامة التي يقوم بها الرئيس جمال عبد الناصر، وكان الرجل شديد الاهتمام بالجولات التي يضمن بها كسب مزيد من الحلفاء لمصر ولدعم فكرة القومية العربية.
صدور الصحيفة بعناوينها بتلك الطريقة تسبب في أزمة كبرى، تم على إثرها استدعاء مالكي الجريدة ومسؤوليها، وتسبب ذلك التصرف غير المقصود في قرار رسمي بشأن الصحافة المصرية، حيث أصدر الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك قرار تأميم الصحافة، وذلك يوم الرابع والعشرين من مايو عام ألف وتسعمائة وستين، وانتقلت الصحافة المصرية وقتها من ملكية عائلات إلى ملكية الدولة.
الأخطاء المطبعية للصحافة طالت القراء أيضا، ففي أحد الإعلانات كتبت إحدى الصحف تقول:”نتلقى إهاناتكم ومساعداتكم على الحساب المنشور رقمه” وكان المقصود بالكلمة طبعا المقصود نتلقى إعاناتكم.
وكان للوزراء نصيبهم أيضا من الأخطاء فقد عنونت إحدى الصحف، تقريرا عن أحد الوزراء كان يتضمن عودة الوزير
لكن الصحيفة أبدلت «الدال» «راء» في كلمة عودة، ولذلك انقلب المعنى فكتبت الصحيفة «عورة الوزير».
وفي خطأ مماثل وقعت فيه صحيفة أخرى كتبت تقول «الكلية تستقبل الوزير»، لكن الخطأ الطبعي استهدف هذه المرة كلمة «الكلية» وقلب «الياء» «باء» فنشر عنوان الخبر على نحو : «الكلبة تستقبل الوزير».
وفي خطأ مطبعي آخر قامت وزيرة بجولة في كفر الشيخ، لكن العنوان تحول إلى مادة للسخرية فكتبت إحدى الصحف: «الوزيرة تتبول في كفر الشيخ».
بعد هزيمة مصر عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين، أضرب طلاب الجامعات في الإسكندرية اعتراضا على الهزيمة، لكنهم أنهوا ذلك الاضطراب في وقت لاحق، بينما أعادتهم صحيفة إلى الإضراب تارة أخرى بعد أن نشرت تقريرا عنوانه: «كلاب الجامعات ينهون إضرابهم» الأمر الذي اعتبره الطلبة مساسا بكرامتهم وعادوا إلى الإضراب.
صحيفة أخرى نشرت حوارا في صفحتين مع الرئيس الراحل أنور السادات، المعروف عنه شدة اهتمامه بالقراءة والصحافة، وأرادت الصحيفة أن تجامل الرئيس بأوصاف محببة إليه، فكتبت كلمة الرئيس المؤمن بطريقة خاطئة ولم تتم كتابة وصف «المؤمن» على نحو صحيح، فكتبت بدلا من «الواو المهموزة» «دالا»، وكلف ذلك الخطأ رئيس تحرير الصحيفة ثمنا فادحا.
الرئيس المصري الراحل حسني مبارك كان له حظ من الأخطاء التي تناولت شخصه، لكنها طالت أسرته أيضا، حيث نشرت إحدى الصحف التابعة للحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك صورة لقرينته سوزان مبارك، وكتبت عليها تعليقا بوصف «سوزي» وكاد ذلك التعليق أن يطيح برئيس تحرير الجريدة من موقعه.
فهل كانت جميع تلك الأخطاء المطبعية متعمدة؟ الصحفيون يرون أن تلك الأخطاء واردة مع ضغوط العمل اليومي التي يتعرضون لها، وأنها لا علاقة لها بمواقف سياسية وكل ما تستدعيه مجرد تصحيح لاحق لما تم نشره، لكن بعض من أصيبوا بسوء النية لا يقبلون بذلك المبرر، بينما تبقى الصحافة مرآة للعصر مهما أثير بشأنها فقد استمرت ولسان حالها يقول:
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ
وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف
فَيا فِتيَةَ الصُحفُ صَبراً إِذا
نَبا الرِزقُ فيها بِكُم وَاِختَلَف