وصفوه بأنه سريع البديهة وأحد الفرسان الشجعان الذين لا يشق لهم غبار بل إنه كان أذكى العرب الذي ليس له منافس وهو الرجل الأشد قوة في إبداء الرأي السديد، وهو رابع أربعة من الأذكياء الذين اشتهروا بالدهاء.
يشير الباحثون إلى أن دهاة العرب المشهورين بالذكاء والفطنة هم: «معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد»، وهكذا كان عمرو بن العاص بن وائل السهمي ذلك الرجل الذي يقف الذكاء حائرا أمام عقليته التي قلما تتكرر في التاريخ العربي، وكان والده أحد سادة العرب.
استوقف قطاع الطرق عمرو بن العاص يوما وأحكم أحدهم قبضته عليه لكن بن العاص ذلك الرجل الذي تسلح بالذكاء أخذ يحذرهم وينذرهم من الإقدام على أذاه وأبلغهم أن به مرضا نادرا ينتشر ويصبح أكثر عدوى في حالة إنهاء حياته. بل أقنع عمرو المجموعة التي استوقفته بضرورة أن يذهب زعيمهم معه لأنه هو الذي أمسك به وأن الزعيم أصابته عدوى صعبة فهرب الرجال من حول زعيمهم وهناك أجهز بن العاص على ذلك الزعيم بمواجهة شديدة.
بنى عمرو بن العاص جامعَ الفسطاط بالقربِ من حصن بابليون، وكان أول مسجد بُنيَ في مصر. كما بنى ذلك القائد المغوار مساكنَ لجنده، وجعل الفسطاطَ عااصمةً لمصر ونشر في عهده العدل والنماء بين المصريين كافة.
كان رحيل القائد والفارس النبيل عمرو بن العاص عام ستمائة وأربعة وستين هو الخبر على الأصعب على المصريين وودعته قلوبهم بالدموع بعد أن أيقنوا فترة حكمه وحكمته وذكائه
تتباين أقوال المؤرخين بشأن موقع دفن عمرو بن العاص، فمنهم من قال بأنه دفن بمصر في سفح جبل المقطم، ومنهم من ذهب إلى أن دفنه كان في مدافن تسمى مدافن قريش.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن وصية عمرو بن العاص بشأن طريقة دفنه هي ذاتها السبب في عدم شهرة موقع مدفنه حيث أوصى قبل رحيله بأن يكون دفنه بطريقة عادية بحيث لا يشتهر مدفنه ويكون الدفن على الطريقة الإسلامية بحيث يتم دفنه شأنه شأن سائر عامة المسلمين.
تلك الوصية تؤكد أن مسألة تحديد موقع ظاهر لمدفن ابن العاص ربما تدخل تكون صعبة، وإن ذهب أكثر المسلمين من شدة حبهم له إلى تحديد مدافن معينة يؤثرون الدعاء عندها ويكثرون الدعاء له.
يدعم رواية دفن عمرو بن العاص في سفح جبل المقطم فيما يسمى «القرافة الصغرى» بجوار مدفن عقبة بن عامر، يدعم ذلك المؤرخ المصري الدكتور عبد الباقي السيد عبد الهادي ويستند في صحة تلك الرواية إلى عالم كبير من فقهاء المذهب الشافعي هو حرملة التجيبى.
رحل داهية العرب عمرو بن العاص وبقيت سيرته وضيئة ناصعة يستقي منها الباحثون العبر والخير الوفير.. ببحوثهم في تتبع سير رجال علموا البشرية بأكملها قيم العدل في غير مداهنة والعزة في غير تكبر والتسامح في غير ضعف.