من كتابة المقال الصحفي والأشعار وتأسيس أول جريدة مستقلة في بلاده إلى سياق مغاير تماما لذلك حيث خاض مجال التمثيل ليشكل وجوده أكبر تحد لأبناء جيله من الفنانين السوريين.. فهم وإن كانوا يحفظون النص إلا أنه يحرره قبل الحفظ..
إنه الفنان السوري «لقمان ديركي»، الذي شكلت نشأته الأولى تكوينه الثقافي والفكري فميلاده في منطقة «الدرباسية» السورية حيث أصوله في عائلة كردية مزجت طبيعة الحي الذي نشأ فيه بين ثقافات متعددة فعاش بين عرب وآشوريين وأرمن، وظهرت لديه موهبة الشعر في سن مبكرة، وما أن انتقل إلى العاصمة السورية دمشق حتى بدأ العمل في التمثيل. دون أن يقاطع كتابة المقالات والأشعار.
أشعار مثيرة للقلق
عشق لقمان الشعر ونظم صالونا شعرية داخل وخارج سوريا حمل تسمية «بيت القصيد»، واقتربت قصائده كثيرا من السياسة تلميحا وتصريحا فهو مؤلف قصيدة «الأب الضال»، وهو القائل في قصيدته «عود ثقاب»، «أنا نهر الفرات عندما يقطع الأتراك عنه الماء».
فنيا كانت مسرحية «سمح في سوريا» واحدة من أهم أعمال لقمان التي شارك في بطولتها وترجمت واقع الحياة في سوريا بطريقة كوميدية هادفة، كما تألق في تقديم شخصية عمران في مسلسل «الخوالي»، حيث اكتشف عمران الذي كان يعمل ضابط شرطة سجنا سريا وقرر تهريب صديقه منه بأي طريقة، ويتناول ذلك المسلسل فترة تتعلق بالحكم العثماني لسوريا.
نبرة معارضة تنتهي إلى مصير صعب
تزوج لقمان ديركي من الفنانة السورية «أمية ملص» ذات الرصيد الوافر من الأعمال الدرامية وانفصلا بعد أن أنجبا ابنتين وكشفت تقارير لاحقة أنهما يعيشان مع والدهما في فرنسا التي استقر فيها لقمان بعد أن تصاعدت نبرته المعارضة للنظام السوري.
لم يكتف لقمان بمجرد الإقامة الهادئة في فرنسا آمنا من ملاحقات محتملة، بل إنه واصل المعارضة بكتابة مقالاته التي يشدد فيها على أن ما حدث في بلاده من مواجهات ونزاعات لا يعود فقط إلى أسباب سياسية بل إنه يعود أيضا إلى أسباب متعلقة بدفن الفن والإبداع. ولا زالت قصائده الجريئة تميز اسمه وهو القائل: «أضعك في قصيدة، وأحفظها عن ظهر قلب، كما لو أنها نص مقدس»، وهو ذاته الذي يصف واقع الشعب السوري بقوله: « عشنا السعادة دون أن ندري، أما التعاسة فعشناها ونحن ندري».
هروب أم منفى اختياري
اضطر لقمان ديركي، بعد أحداث الفوضى والمواجهات الداخلية التي شهدتها سوريا إلى ترك بلاده؛ وذلك تفاديا لأية ملاحقات مرتقبة تطاله بعد تداول أنباء عن توقيفه وإطلاق سراحه لاحقا، واختار فرنسا بلدا لإقامته ولكن طريقة خروجه من سوريا لم تكن معلنة، وبدا خروجه من سوريا أشبه بذلك الدور الذي قام فيه بدور ضابط وهرب صديقه من مكان احتجازه السري.
برغم قلة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي للقمان ديركي إلا أنه اتخذ الشعر وكتابة المقالات متنفسا للتعبير عن آرائه ورغم جاذبية قصائده إلا أنها لم تحظ باحتفاء ملائم وجماهيرية كبيرة.