في فترة الأربعينيات من القرن العشرين، شهد الجميع حالة اقتصادية صعبة بسبب الحرب العالمية الثانية، وكان أحد المتضررين من هذا الوضع هو راي شاليفو، الذي كان يعمل سائق شاحنة وتم طرده من عمله، مما جعل أسرته بلا مصدر رزق. وكان الأمر صعباً عليه أن يطعم أطفاله الأربعة وزوجته، ولا يستطيع دفع أجرة المنزل، مما جعل حياتهم في خطر دائم بالطرد.
في الخامس من أغسطس عام 1948، نُشرت صورة في صحيفة “ذا فيديت-ماسنجر” (التي توقفت عن النشر في عام 1989)، تُظهر السيدة لوسيل شاليفو وهي تقف على سلم منزلها في شيكاغو، وتعرض أطفالها الأربعة للبيع. وقد صوَّرت السيدة وجهها عن الكاميرا لكي لا يُلاحقها العار طوال حياتها المتبقية. كانت اللافتة التي كُتب عليها تحمل عبارة: “4 أطفال للبيع، والاستفسار بالداخل”.
وكان الأطفال هم
– “لانا تبلغ من العمر 6 سنوات.
– أختها رايان ذات الخمس سنوات
– في الأسفل”ميلتون” ذو الأربع سنوات.
– أخته الصغرى “سو إيلين.
باعت الأم الأبناء الأربعة، وليس هذا فقط، بل باعت ابنها ديفيد الذي كانت حاملا فيه، ربما جاء في بالك إن هذه السيدة باعت الأبناء نقابل مبلغ مالي كبير، لكن هذا لم يحدث:
فتم بيع الأطفال “رايان و ميلتون” للمزارع “جوزن زويتمان” وزوجته روث” مقابل دولارين فقط!!، وكان الشاري للأبناء يعاملهم كالعبيد، ولكي يعملا معه في الأرض، وخوفا من هروبهما، يقوم بربطهما في حظيرة منزله مع الحيوانات لكي لا يهربوا، مع معاملة قاسية وغير أدمية.
ويحكي ميلتون عن المعاملة القاسية لوالده الجديد، ويقول: “والدي الجديد جون زيتمان كان يناديني بــ العبد”، فسألته ذات مرة: ” لماذا كل هذه القسوة؟” فقال لي:”إذا بقيت خائفاً فسوف تنفذ ما آمرك به، وإذا شعرت بالأمان، فستهرب مني، وسأخسر خدماتك”.
أما ريان، فقد تم اختطافها وهي في السابعة عشر، عندما ظهرت عليها علامات الأنوثة، وتم اغتصابها، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، أثمر الحمل عن طفلل، وتم إرسالها للعيش في مركزٍ للأمهات الغير متزوجات، ليتم أخذ الطفل منها بعد ولادتها وتعرضه للتبني، قصة ماسأوية أليس كذلك؟
ديفيد الطفل الأصغر في الأبناء الخمسة، لاقى مصيرا أفضل، حيث أخذه السيد “هاري مكدانيال” و زوجته الجميلة “لويلا” ، وكان الشراء بغرض التبني، فالطفل وصل لهم في حالة صعبة بملابس رثة، ويمتلئ جسده بآثار عض “بق الفراش”، فتبنته العائلة بشكل قانوني لأنهم لحرمانهم من الإنجاب، وعاملوه معاملة حسنة و ربوه منذ الصغر على القيم والأخلاق الحميدة، وكان منزله بالقرب من منزل أشقائه ميلتون ورايان في مزرعة السيد زويتمان، وكان يبكي بشدة من سوء المعاملة التي يتعرضون لها.
لكن يبدو أن الحياة الرغدة لم ترق لديفيد، فترك الأٍرة في عمر السادسة عشر، وتطوع في القوات المسلحة الأمريكية، وبقي 20 عاماً ، ثم ترك الجيش وعمل كسائق شحن في واشنطن، ولم يلتفت خلفه واكتفى بحياته، لكن الماضي لم يتركه، فقابل والدته السيدة لوسيل، السيدة التي باعته، وكانت انفصلت عن والده، وتزوجت للمرة الثانية وأنجبت أربع فتيات، لكنها قررت الاحتفاظ بهن، وينقل ديفيد اللقاء بينه وبين والدته بعد كل هذه السنوات.
قالت لي إنني أشبه والدي كثيراً، و لكنها لم تعتذر أبدا، لقد احتفظت ببناتها الأربعة الجدد، ولم تحتفظ بنا، ولم تشعر بأي ظلم لنا، نستحق عليه أن تعتذر لنا.
لكن يحاول ديفيد إيجاد دافع لها لما فعلته، بالقول: “ربما أرادات أن تنقذنا من الموت جوعا، هذا سبب منطقي لما قامت به، لكنها لم تقل ذلك.
ميلتون
أصبح ميلتون شاباً، وكان العنف توغل في نفسه، فتشاجر مع رجل شرطة، وضربه وجفعه لجذع شجرة، ومثل أمام القضاء، ولأنه كان قاصرا، تم تخييره بين الذهاب إلى مصحة للأمراض العقلية أو إلى الإصلاحية، فخاف من الإصلاحية بسبب ما يسمعه عنها، فاختار مستشفى الأمراض العقلية، فتم تشخيصه بـ “الفصام” أو كما هو معروف إعلاميا بـ “الشيزوفرينيا”، وعولج ميلتون وأطلق سراحه.
وقابل ميلتون أمه بعد خروجه من المستشفى، واستضافته في بيتها شهرا، لكنه كان عنيفا، فتشاجر مع زوجها، فتم اعتقال زوجها، فطردته من المنزل، وانقطعت العلاقة بينهما نهائيا.
ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها، استطاع الأخوة الالتقاء مرة آخرى، ففي عام 2013 اجتمعت “رايان” بـ “سو إلين” التي تم تبنيها من قبل عائلة تدعى “جونسون”، لكنه الأخيرة رحلت في نفس العام بسبب سرطان الرئة.
لكن قبل أن تموت تم سؤالها عن والدتها، فكتبت على ورقة بسبب عجزها عن الكلام:
“هذه المرأة يجب أن تحترق في الجحيم”
أما الأخت الكبرى لانا فاستطاعوا أن يتواصلوا مع عائلتها وعلموا أنها توفيت عام 1998 بسبب السرطان.
وقائع مشابهة:
في سنة 2014، أقدمت أم هندية فقيرة اسمها “غاوري شاه” على بيع طفلها المولود حديثا بنحو 220 دولارا، إلى زوجين لا ينجبا، في محاولة منها للحصول على بعض المال لتربية بناتها الثلاث الأخريات، وقالت إنها لا يمكن أن تتحمل نفقات تربيته، فباعته بعد أسبوع واحد من ولادته.
وفي سنة 2012، تخلت أم في ولاية غرب البنغال بالهند عن بناتها الثلاث، لأنها تقول إنها غير قادرة على توفير الطعام لهن. وقد انقذت السلطات المحلية الفتيات وأعادتهن إلى أمهن، وتبرر ما فعلته قائلة: “تزوجت من رجل كبير السن واكتشفت بعد ذلك أنه مدمن على شرب الخمر، وكان يضربني أنا وبناتي باستمرار.
والمسؤول المحلي بالمدينة التي بيعت فيها الفتيات السيد راخيبور ريهمان، يقول إنه: “خلال أسفاره عبر هذا الجزء الفقير من الهند، قابل العديد من الحالات التي تم فيها بيع فتيات في سن 12 عاما من قبل آبائهن، ومعظم عمليات بيع الفتيات تكون بغرض تجارة الجنس”.
والكثير من القرى في مصر حتى هذه اللحظة تزوج بناتها التي بالكاد تخطت عامها العاشر بزواج متحايل على القانون يسمى “العقادة”، ويكون الزواج محدد المدة، مقابل ثمن يقبضه الوالد، وحكت لي سيدة لا يجب أن يذكر اسمها، إنها تزوجت أكثر من 19 مرة، وهي في الثامنة عشر من عمرها، والمحزن إن هناك زيجات تزوجتها دون أن تعرف اسم زوجها، كانت تناديه أبو عبد الله فقط.
بيع الأطفال تحت أي مسمى، هو جريمة، جريمة قذرة، سببها الجهل والفقر والتهمييش، وغياب دور الدولة، وغياب دور الأسرة، والتعامل مع ابنك كسلعة تدر عليك دخلا، وهو أمر لن ينتهى من العالم بالمناسبة، على الأقل في القريب العاجل.