بين بوادر لإنفراج أزمة وتوقعات بتعقيدات أكبر، فاز عبد اللطيف رشيد بمنصب رئاسة جمهورية العراقية، بعد جولتي تصويت احتضنهما البرلمان المنقسم على نفسه والذى فشل فى تشكيل الحكومة منذ أكثر من عام، فهل هناك جديد فى بلاد الرافدين؟
نجاح البرلمان العراقى فى التوافق على مرشح رئاسى، بعد مفاوضات شاقة استمرت أكثر من عام بادرة أمل جديدة لحالة الشلل التى أصابت العملية السياسة فى العراق، فمنذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة فى 10 أكتوبر الماضى، كان الفشل هو العنوان الرئيسي فى بلاد الرافدين، ففشلت القوى الكردية فى تسمية مرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية، فيما يقف التيار الصدري بالضد من مساعي الإطار التنسيقي الشيعي المؤيد لإيران لتشكيل الحكومة، ويطالب بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة حكومة يشكلها المستقلون تمهد لإجراء انتخابات مبكرة وهو ما يرفضه الطرف الأخر والذي يطالب بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات.
ويخشى المراقبون، أن يكون النجاح فى اختيار رئيس الجمهورية، أن يكون هو الأزمة بحد ذاتها بدلًا من أن يكون حلاً ومخرجاً لأزمة سياسية خانقة أفرزت مشهداً اتسم باضطراب وارتباك سياسي ومجتمعي غير مسبوق.
وتتمثل المخاوف فى انقسام المكون الكردى، لم يتفق الحزبان الكرديان الرئيسيان “الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” على مرشح واحد متفق عليه لمنصب رئيس الجمهورية.
وأصبح اختيار منصب رئيس الجمهورية مشكلة كردية – كردية منذ عام 2018، فبينما تنافس عام 2014 الرئيس الحالي برهم صالح، مع الرئيس السابق فؤاد معصوم، على المنصب، وتم حسمه من خلال «كتلة التحالف الكردستاني»، أيام كان الحزبان الكرديان يشكلان تحالفاً كردياً واحداً، إلا أنه في عام 2018 تم كسر هذه القاعدة، حين رشح «الاتحاد الوطني»، برهم صالح، لمنصب رئيس الجمهورية، بينما رشح «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فؤاد حسين، وزير الخارجية الحالي، وخلال المنافسة داخل قبة البرلمان فاز الدكتور برهم صالح على منافسه.
وتكرر الانقسام فى الانتخابات الأخيرة والتى خسرها برهم صالح الرئيس السابق لمصلحة الفائز بمنصب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد.
ووصف المراقبون، أن ما حدث كان بمثابة كسر لإرادة طرف سياسي مهم في الساحة السياسية، وهو ما يؤشر إلى بداية أزمات مقبلة سوف تبدأ من إقليم كردستان، وتمتد إلى بغداد، فالفائز بمنصب رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، ليس مرشحاً من قبل «حزب الاتحاد الوطني»، وهو ما يعني حصول مشاكل داخل الإقليم الكردي، كما أن المواقع السياسية في بغداد سوف تتأثر طبقاً لهذه المعادلة.
ويتيح الدستور العراقي يتيح الفرصة لكل مواطن أتم الأربعين من العمر ويحمل شهادة جامعية أولية وغير محكوم بجناية، التنافس على هذا المنصب الذي يمثل هيبة الدولة ورمزها، وإن كان قليل الصلاحيات.
ومن حيث العرف فإن منصب رئيس الجمهورية بات منذ عام 2003، وحتى اليوم، من حصة الكرد، فالمناصب الرئاسية الثلاثة (الجمهورية والوزراء والبرلمان) تُوزَّع طبقاً للمكونات الرئيسية العرقية والمذهبية الثلاثة (الكرد والشيعة والسنة)، ففي الوقت الذي يحصل فيه الكرد على منصب رئيس الجمهورية، فإن الشيعة يحصلون على منصب رئيس الوزراء، بينما تكون حصة العرب السنَّة هي منصب رئيس البرلمان.
يذكر أن جميع مكونات المجتمع العراقى السنة والشيعة والأكراد، التزموا بالعرف السائد من حيث توزيع المناصب، حتى تفتت المكونات أنفسها، ففشل الأكراد لمدة عام كامل من تسمية منصب الرئيس حتى نجاح الفائز بمنصب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد.
إلا أن المكون الشيعى مازال فى مرحلة المخاض لمدة أكثر من عام حيث يفشل فى تسمية اسم رئيس الوزراء حتى الآن بسبب الخلافات العريقة بين أكبر قوتين شيعيتين فى البرلمان.
ففشل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، فى تشكيل حكومة أغلبية وطنية عن طريق تحالفه مع الكرد والمسلمين والتى وضع لها شعارًا براقًا عنوانه «لا شرقية ولا غربية»، مما اضطره إلى الانسحاب من البرلمان
فيما فشل الإطار التنسيقي الشيعي المؤيد لإيران لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، بسبب وقوف التيار الصدرى ضد رؤيته، والذى يطالب بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة حكومة يشكلها المستقلون تمهد لإجراء انتخابات مبكرة.
وفي الوقت الذي لم تحصل فيه مشكلة كبيرة على أساس كيفية تقاسم منصب رئاسة البرلمان داخل الكتل البرلمانية والسياسية السنية،
يبقى الأهم في كل ذلك هو موقف زعيم التيار الصدرى، الذي لا يزال ينتظره الجميع لنجاح المعادلة، لاسيما أن الفشل فى تشكيل الحكومة حرم العراق من أى خطط للإصلاح حيث حقق العراق البلد الغني بالنفط والمنهك بعقود من النزاعات، إيرادات نفطية هائلة خلال العام الحالة بلغت 87 مليار دولار، لكنّ الاستفادة من هذه الأموال مرهون بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة، لاسيما أن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تملك صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان.