هل سمعت من قبل عن شخص يسُب نفسه في مقابل أن يمتلئ جيبه بالأموال الوفيرة؟ نعم هذه قصة اليوم، عن شاعر مخادع كان على استعداد أن يفعل أي شيء فقط ليضحك الخليفة ويرمي له الأموال على الأرض.
فمن هو هذا الشاعر؟ وكيف استطاع جني كل تلك الأموال؟
اسمه أبو دلامة وهو مُختلف في نسبه، يعتقد البعض أنه كان أعرابيا وآخرون يظنون أنه كان عبدا، لكن ليس هذا هو المهم، فأبو دلامة كان شاعرا فصيحا ظريفا وبليغا وقد استغل تلك الصفات جيدا في حياته.
شب أبو دلامة في العصر الأموي، وكان مغمورا لا يعرفه أحد، لكن بمجرد سقوط دولة الأمويين استغل الفرصة السانحة أفضل استغلال.
أبو دُلامة كان يستغل أوقات الصفاء عند الخلفاء العباسيين ليطلب حاجته، وكان يتخير الوقت بعناية فائقة، حتى أن الخليفة الأول لدولة العباس وعلى الرغم من شدته وقسوته، كان يجزل في العطاء له، بل إنه في مرة أعطاه كلبا للصيد وغلاماً يقود كلب الصيد وجارية تطبخ له ما يصيد وبيتا يسكنون فيه، كل هذا فقط لأنه كان طريفا!
لكن أبو دُلامة توهج في عصر المنصور وظهرت قدراته الكوميدية أكثر فأكثر، وهذا متوقع بالطبع، فالمنصور من أشد خلفاء بني العباس بخلًا ويواجهه في الجهة المقابلة شاعر يعيش على عطايا الخلفاء ومديحهم.. فكيف إذا استطاع أبو دلامة أن يجعل المنصور البخيل يعطيه من العطايا؟
سأذكر لكم موقفا يدلل على سرعة بديهة أبي دلامة، بعد وفاة زوجة المنصور وكان اسمها حمَّادة بنت عيسى، تظاهر المنصور بالحزن عليها والألم وكان معه أبو دلامة وأراد أبو جعفر المنصور أن يرتدي زيّ الواعظ وسأل أبو دلامة: ما أعددت لهذه الحفرة؟ وأشار لقبر زوجته..
فما كان من أبي دلامة إلا أن رد وقال “أعددت لها بنت عم أمير المؤمنين، حمّادة بنت عيسى”، ليكون هذا الرد كفيلا بإضحاك المنصور أمام الناس، ومال عليه المنصور بعدها قائلا: “ويحك فضحتنا بين الناس”.
أبو دلامة لم يكن ينفك عن طلب العطايا، في أي مناسبة، بسبب وبلا سبب، وكان إلحاحه الشديد هذا هو ما يدفع المنصور لإعطائه الأموال من حين لأخر.
ولأن أبا دلامة كان قناصا للفرص، فقد علم أن أيام المنصور معدودة، وبدأ ينسج خطوطه مكره حول الخليفة الجديد وولي العهد محمد المهديّ.
ولذلك وثّق أبو دلامة علاقته بالمهدي منذ كان أميراً في خلافة والده، وكان يخرج معه في أسفاره، ويسهر معه في لياليه.
لكن حتى المهدب كان المهدي يسأم من كثرة سؤال أبى دلامة له، على الرغم من العلاقة القوية بينهما وحاول في مرة أن يوقع به ليرى ما سيفعل.
وعند دخول أبي دلامة على المهدي، كان في حضرة أكابر رجال العباسية بدأ المهدي الكلام قائلا: “أنا أعطي الله عهدا لئن لم تهجُ واحدا ممّن في البيت لأقطعنّ لسانك”.
فلما رأى أن الخليفة يريد أن يوقع به قام بهجو نفسه وسبها فضحك القوم ولم يبق منهم أحد إلّا أعطاه مالا.