يوما تلو آخر تحاول الولايات المتحدة احتواء أي تداعيات محتملة لتنامي القوة الروسية، خصوصا وأن الخصم التقليدي لواشنطن بات قادرا على فرض إرادته على الأرض بعد أن فرض معادلة القوة في أوكرانيا. فهل قررت واشنطن حصار مخططات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إندونيسيا.
ما أن انعقدت قمة مجموعة العشرين في مدينة بالي الإندونيسية حتى استبقت واشنطن التي حضر رئيسها جو بايدن الاجتماعات على رأس وفد أمريكي رفيع المستوى، موعد القمة وحاولت التنسيق باتصالات سرية مع القادة وممثلي الدول المشاركين، واستهدفت الولايات المتحدة من التنسيق المتبادل محاولة الوصول إلى بيان أو صيغة تضمن تحييد خطر الدور الروسي.
حاولت الولايات المتحدة مرارًا أن تحاصر الدب الروسي في أكثر من فعالية دولية، بينما تعمل روسيا بإجراءات مضادة على صعيد التحالفات والاستقطابات الإقليمية التي تديرها في سياق المصالح المتبادلة بينها وبين العديد من الدول التي تراها موسكو مصدر دعم مباشر أو غير مباشر لسياساتها.
ورغم عدم ارتباط قمة العشرين التي انعقدت في إندونيسيا بحضور 17 رئيسًا، إلا أن الولايات المتحدة حاولت تصدير الأزمة الأوكرانية في المباحثات، وصدرت ملف تصدير الحبوب أولوية أولى.
البيان الأخير الصادر عن قمة العشرين بات واضحا أن قد صدر بمباركة أمريكية وقال البيان الذي يعتبره الخبراء مكتوب بمِدادٍ أمريكي، إن «أغلب» الدول الأعضاء في المجموعة يدينون أحداث النزاع الروسي الأوكراني، بل إنه يقوض الاقتصاد العالمي.
ووضعت قمة مجموعة العشرين بتداول الأزمة الروسية الأوكرانية، نفسها في اختبار دخله القادة أمام شعوبهم، بعد مطالب وتوقعات ساقها الخبراء بشأن احتمالية وصول الزعماء المجتمعين في القمة إلى صيغة توافقية مع روسيا تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية مرة أخرى للدول الفقيرة رغم الأزمة العالمية.
الخبراء عولوا أيضا على دور القمة في احتمالية وضع آلية تراعي الأبعاد الإنسانية لقضية الغذاء بحيث يتم تحصين قضايا الغذاء والحبوب عن تقلبات السياسات والنزاعات الدولية، لمن تلك الأطروحات تبدو نظريات مثالية حال اختبارها عمليا على الأرض.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سبق له أن حذر مرارا من محاولة تحويل ملف تصدير الحبوب الأوكرانية إلى ورقة سياسية للضغط على موسكو أو المساس بسمعتها دوليا، عازيا ذلك أن الأقماح الروسية التي تتغنى الولايات المتحدة بحق الدول الفقيرة فيها، لا يتم تصديرها إلى الدول المستحقة، بينما تستمر عمليات التصدير إلى دول غنية ليست بحاجة إلى الحبوب.
أوكرانيا التي وصفها خبراء الاقتصاد الزراعي بأنها سلة غذاء أوروبا والعالم، جُمدت فيها عمليات تصدير الحبوب أشهر كاملة على خلفية اندلاع أزمتها مع روسيا، وبعد إقرار اتفاق لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممرات آمنة فاجأ الرئيس الروسي كييف بإجراء عقابي.
أعلنت موسكو في التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي أن اتفاق السماح بتصدير الحبوب الأوكرانية تم تعليقه بعد استهداف سفنها في شبه جزيرة القرم، وحملت وزارة الدفاع الروسية وقتها بريطانيا وكيف مسؤولية ذلك وقالت إن سفنها تعرض لاستهداف بمشاركة خبراء بريطانيين ضد عدد من السفن الروسية في البحر الأسود.
فهل ينجح القادة في الوصول إلى صيغة عادلة بشأن القضايا الإنسانية تضمن النأي بقضايا النفط والغذاء والحبوب عن أي مناوشات سياسية. ربما تجد الأمم المتحدة دورا حقيقا لها على الأرض يجد طريقه لتنفيذ مبادرات فاعلة بدلا من بيانات الشجب والحث و«الإعراب عن القلق».