كان هدف التنقيب الأساسي للعملية المعقدة هو البحث عن الذهب والوصول إليه بأي طريقة لكن ما تم اكتشافه خلال تلك العملية كان أهم من الذهب وأغلى من جميع المعادن. بل إنه بالنسبة للعلماء كنزٌ ثمين لا ينبغي التفريط فيه.
«صخرة بها هدية من السماء».. هكذا كان توصيف نتيجة رحلة التنقيب عن المعادن التي طال أمدها سبعة أعوام كاملة؛ بحثاً عن الذهب والحصول على صفقات تنتهي إلى أرباح طائلة ربما تغير حال القائمين على ذلك النوع من عمليات التنقيب التي تتطلب وضع ما يوصف بـ «الميزانيات المفتوحة»؛ وذلك لأن أي قائمين على عملية تنقيب لا يعملون رجما بالغيب نتائجها. فرغم استخدام أجهزة ومجسات حديثة من الممكن أن تنتهي نتيجة البحث إلى «لا شيء».
تمت عملية التنقيب في حديقة ماريبورو القريبة من منطقة ملبورن في أستراليا. وكان المُنَقِّب «ديفيد هول» على موعد مع مفاجأة كبيرة. فوجئ «هول» بأن عملية التنقيب لن تتم بسهولة لأنه أمام صخرة يميل لونها إلى الإحمرار وقد استقرت أمام آلات الحفر دون قدرة من فرق التنقيب على كسرها بعد أن استخدموا جميع الآلات عالية القدرة.
وظل السؤال المسيطر على المنقبين.. «ما هذه الصخرة التي تبدو جسماً غريباً عصياًّ على الكسر؟.. وما السبيل إلى كشف تكوينها الصلب بتلك الطريقة؟».. قرر «هول» حمل الصخرة إلى المنزل ودراسة أي طريقة لتفتيتها والحصول على حقيقة تكوينها.
في منزل «هول» خضعت الصخرة لمحاولات متواصلة لتكسيرها أو الوصول إلى حل علمي لذلك الجسم الصخر لإيضاح ما إذا كان يحوي مواد معينة أو يغلف مادة أشد قيمة من الذهب. وبدأ المنقب في استخدام الآلات الخاصة في المنزل لكسر الصخرة المستعصية.
«المنشار الصخري، والمثقاب، وأدوات الكسر».. كانت كلها حيل لجأ إليها «هول» لفك ألغاز الصخرة الصلبة لكن نتائج جميع محاولات المنقب كانت صفراً. لأن «هول» لم ينجح حتى في إحداث صدع. وبدت المخاوف تدب إلى قلبه من احتمالية أن يكون ذلك الجسم الصخري خطر يهدد منزله أو يتأثر بشكل مفاجئ بأي تغير في درجات الحرارة.
اضطر المنقب الذي عثر على الصخرة الغريبة إلى الاحتفاظ بها سنوات في منزله؛ لعله يجد ضالته في الوصول إلى طريقة لفك ألغازها ولو بعد حين.. وكان قراره النهائي أن يعرض الصخرة على أحد علماء الجيولوجيا المختصين بعلوم الأرض.
عالم الجيولوجيا «ديرموت هنري» توصل إلى بعض المعلومات التي من الممكن أن تكشف حقيقة تلك الصخرة بعد أن تبين له أنها لا علاقة لها بالتكوينات الصخرية للأحجار والتشكيلات الصخرية الموجودة في الأرض.
لجأ فريق بحثي مختص إلى استخدام منشار كهربائي لقطع تلك الصخرة التي يصل وزنها إلى سبعة عشر كيلوجراما وتبين أن تكوين الصخرة به نسبة عالية من الحديد.
تبين للعلماء أن الصخرة تنقلهم عبر المعلومات المتوفرة بشأنها إلى عهود سحيقة من الزمن. إذ أنها كانت بحق هدية من الفضاء إلى كوب الأرض بعد أن تبين أن لها دلائل بشأن النظام الشمسي وكوكب الأرض.
رجح العلماء أن تكون تلك الصخرة أحد النيازك النادرة لكن مصدره ترك لغزا ذا تأثير أشد حيرة من النيزك ذاته؛ لأن مصدر انطلاق ذلك النيزك لا زال مجهولا وكل ما يتعلق به مجرد تحليلات فروض علمية بناء على نظريات سابقة خاصة بعلم الجيولوجيا.
توصل العلماء بعد فترة من الدراسة وتتبع الفترات والأحداث الجيولوجية، إلى أن صداما حدث بين مجموعة من الكواكب الصغيرة في الفضاء وبين الأرض وأدى إلى ظهور حزام من الكويكبات الصغيرة.
أكد العلماء أن الصخرة لا تقدر بثمن لأنها في توصيفها العلمي نيزك نادر جدا بين سبعة عشر نيزكا تم رصدها في ولاية فيكتوريا الأسترالية.
المفاجأة الأخرى التي توصل إليها الفريق البحثي، في أن النيزك يصل عمره إلى أربعة آلاف وستمائة عام وتمت تسميته ماريبورو استنادا إلى موقع اكتشافه في بلدة تحمل نفس الاسم.
لا زال النيزك الموصوف بأنه «رسالة من الفضاء إلى الأرض» لغزا محيرا للكثيرين لكنه حتما سيدعم الجهود البحثية الخاصة بعلم الجيولوجيا الذي لا زال بحرا عميقا يحوي الكثير من الأسرار التي لم تُكتشف بعد.