يُعتبر الفنان الراحل نجيب الريحاني أو أستاذ حمام أو كشكش بيه أحد أشهر فناني السينما المصرية على الإطلاق، وليس السينما فحسب فهو أحد أبرز رُوَّاد المسرح والسينما في الوطن العربي عُمومًا ومصر خُصوصًا، ومن أشهر الكوميديين في تاريخ الفُنون المرئيَّة العربيَّة.
وبالرغم من أنه لم يعش حياة فنية طويلة، إلا أنه قدم خلالها أعمالا مسرحية وسينمائية توجته ملكًا على عرش الكوميديا إلا أن نهايته كانت فصلاً تراجيديًا مأساويًا.
اختلاف في الولادة
وفقًا لعدد كبير من مرخي السينما المصرية، اختلف مؤرخو السينما ونقادها على العام الذي ولد فيه نجيب الريحاني، فهناك من يقول إنه ولد سنة 1890، وآخر يخمن أن الدنيا استقبلته في 1889، في حين يؤكد الناقد الكبير كمال رمزي، أن الريحاني مولود في سنة 1887.
وأغلب الظن أن التاريخ الأخير هو الأدق، لأن ملامح وجهه وتجعيداته في فيلم «غزل البنات» تشير إلى أنه تجاوز الستين، ومعروف أن «غزل البنات» أنتج عام 1949.
أصول عراقية
ولد نجيب الريحاني في حي باب الشعرية بمحافظة القاهرة، لأب يدعى «إلياس ريحانة» – وليس ريحاني – من أصول عراقية يعمل في تجارة الخيول.
وقد تزوج الأب من فتاة مسيحية مصرية يقال لها لطيفة، التي أنجبت له الابن الذي غير فنون الضحك والتمثيل في عالمنا العربي، وبعد ذلك التحق نجيب بمدرسة الخرنفش، ثم الفرير، فأتقن اللغتين العربية والفرنسية حتى حصل على شهادة البكالوريا، ليكتفي بذلك مع موجة العطب التي اجتاحت تجارة أبيه.
ترك الدراسة
بعد ظان أصاب العطب تجارة أبيه، هجر الفتى التعليم، والتحق بوظيفة صغيرة بالبنك الزراعي، وهناك التقى توأمه «عزيز عيد»، الذي يعد أول مخرج مسرحي بالمعنى الحديث للكلمة، لكنهما طردا من الوظيفة بسرعة.
حكم قراقوش
وفقًا لما ذكره الماكيير الكبير محمد عشوب، فإن من أبرز أعمال نجيب الريحاني وتسببت في خروجه من مصر هربا من الاعتقال أو بطش الملك به مسرحية «حكم قراقوش»، والتي كتبها صديقه الفنان بديع خيري، وهاجم فيها الملك فاروق.
والأكثر من ذلك أن الملك عندما طلب منه تقديم مسرحية في قصره ليشاهدها، أصر على تقديم هذا النص ضاربا باعتراض خيري عرض الحائط، ورغم عدم ندمه على هذه الخطوة خاف بعدها وفضل السفر خارج مصر متجها للبرازيل.
وكانت المسرحية تحكي قصة ملك ظالم، يعيش شعبه حياة الفقر والحرمان، وفهم فاروق أنه هو الحاكم المقصود، وأن الشعب الفقير هو الشعب المصري، وأن أحداث المسرحية إسقاط على ما يحدث في مصر.
وبحسب ابنته جينا في العديد من الحوارات الصحفية واللقاءات التليفزيونية، فأن الملك فاروق منح لقب البكوية للفنان يوسف وهبي واستثني الريحاني ولم يمنحه اللقب، عقابا له، موضحة أن سفره للبرازيل جاء بناء على نصيحة تلقاها من رجل الاقتصاد المصري طلعت حرب، خاصة بعد انتشار أقاويل تتهم نجيب بأنه جاسوس ألماني.
وفاته المثيرة للجدل
في الساعة 11 صباح يوم الأربعاء 8 يونيو عام 1949 وفى الغرفة رقم 48 توفي الفنان الكبير نجيب الريحاني حيث كان يرقد هناك بعدما أصيب بمرض تم تشخيصه بأنه حمى التيفوئيد
تفاصيل الساعة الأخيرة في حياة نجيب الريحاني لفها الغموض خاصة حول السبب الحقيقي للوفاة حيث كان الشائع أنه مات بحقنة بنسلين خطأ.
الشهادات التي تم إعادة نشرها كان رها رأي آخر، حيث قالت إن نجيب الريحاني كان يستعد لتناول الدواء الجديد الذي وصل بالطائرة من الخارج، وما إن مرت 10 دقائق على تناوله العلاج، حتى أضطرب جسد الريحاني في الفراش، وأصيب بألم حاد في كل جسده حتى مات.
شهادات عن الوفاة
بعد فترة من وفاته، نشرت صحيفة «الأهرام العربي» وثائق ومستندات وشهادات حول الوفاة تكشف السبب الحقيقي منها شهادة رفيق عمره بديع خيري وزوجته بديعة مصابني والأطباء
وفقًا للشهادات التي كان أقواها شهادة أنور عبد الله الصحفي المقرب من الريحاني وهو أيضا والد الفنانة سماح أنور وقال فيها: اختلف الناس في وفاة المرحوم نجيب الريحاني، هل بسبب تصلب شرايين القلب، أم اشتداد حمى التيفويد التي أصيب بها في الإسكندرية أم من المرضين معا.
وأضاف أنور: الواقع أن الأطباء الذين أشرفوا على تمريض نجيب الريحاني أنفسهم اختلفوا قبل الوفاة فيما إذا كانت الضرورة تقتضي الحذر في علاج حمى التيفويد، نظرا لمرض المرحوم الريحاني بالقلب، أم أن الحكمة تستوجب علاج الحمى بأسرع وقت وأحسم طريقة.
وتابع: كانت حالة الريحاني تسوء ساعة بعد ساعة، بل دقيقة بعد أخرى، فلم يكن هناك مفر أمام الأطباء من الإسراع في تقرير الطريقة التي يجب أن يوقف بها سريان الداء…. برغم تباين الرأي بين ثلاثة أطباء..
يضيف أنور عبد الله في شهادته…. تسمع من الذين سهروا بجوار الريحاني في الليلة التي سبقت وفاته، أنه كان قلقا ويسأل عن حبوب الكلورمايستين بمعدل مرة كل 10 ثوان، وأنه لم يقبل نصح السيدة نعوم مديرة أعماله باستدعاء الدكتور زاروا طبيب القلب، لأنه كان يثق ثقة عمياء في الدكتور الدمرداش، حيث وصلت حبوب الكلورمايستين نحو ظهر يوم الأربعاء الذي حدثت فيه الوفاة.
وقال أنور عبد الله إن الدكتور الدمرداش أشار على الريحاني بتناول 15 قرصا دفعة واحدة.. وتناول الريحاني الـ 15 قرصا ومرت 10 دقائق تقريبا، ثم اضطرب جسد الريحاني في فراشه، واعتصره الألم، وفى ثوان قليلة طفح الدم من فمه فأغرق الفراش، وأطبقت أصابع الريحاني على الفراش في استماتة الذي يصارع الموت.. وفجأة مات.