اعترافات هي الأولى من نوعها في سجله السياسي، لكنها حتما ستقود إلى حكم يحدد مصيره، ما عاد من خيار أمامه سوى كشف الحقائق وإن كانت تداعياتها صعبة على نهايته.
حكم الرئيس السوداني المعزول بلاده ثلاثين عاما بدأت منذ عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين، وذلك بعد قيامه بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب الديموقراطية برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وظل البشير في الحكم حتى عام ألفين وتسعة عشر، حيث أطاحت به ثورة كان هو أحد أسبابها الرئيسية بعد أن رفض السودانيون حياة الغلاء وضعف البنية التحتية والخدمات الحكومية في عهد البشير.
تم وضع البشير رهن الإقامة الجبرية حتى محاكمته التي طال أمدها انتظارا لحكم نهائي بحق الرئيس المعزول. يخضع عمر البشير وثلاثة وعشرين متهما آخرين، بينهم خمسة عشر عسكريا وثمانية مدنيين من مسؤولي جماعة الإخوان، لمحاكمة أمام محكمة خاصة.
ويواجه المتهمون، بما فيهم البشير، قائمة اتهامات تصل عقوباتها إلى عقوبة «إنهاء الحياة». تتضمن قائمة الاتهامات الموجهة إلى المتهمين تقويض النظام الدستوري على خلفية المشاركة في انقلاب 30 يونيو 1989 بغطاء كامل من جماعة الإخوان التي كان يتزعمها حسن الترابي، الذي توفي في مارس 2016.
وقف البشير مؤخرا أمام القضاء.. بعد أن فقد كل البدائل للتهرب أو الإنكار وبدأ يدلي باعترافات هي الأولى من نوعها .. هذه الاعترافات التي وإن ظنَّها محاولة لتفادي أحكام مشددة أو حيلة لكسب التعاطف أو استجداء القضاء.. لن تكون سوى ثبوت لأدلة الاتهام مهما انتهج المتهمون من حيل للمراوغة أو محاولة الفكاك من تهم توثقها أجهزة رسمية.
«الجنائية ومدعيها العام تحت حذائي.. » كان ذلك التحدي الذي تحمله وقت أن ترأس البلاد وظل يدير بلدا دونما اعتبار لثرواته بين أرض تنبت بالخير ونهر يفيض بالعطاء.. إلى أن كان مصيره المحاكمة بعد أن روَّج نظامه لما أسماه «نظرية المؤامرة الدولية» زاعما أن تلك المؤامرة – وليس هو – السبب في آلت إليه أوضاع ذلك البلد الذي ذاق شعبه الأمرين في انتظار تحقيق أحلامه البريئة في التنمية.
«اتحمَّل المسؤولية كاملة بشأن ما حدث في الثلاثين من يونيو وأنا على علم بأن الاعتراف هو سيد الأدلة».. بتلك الاعترافات بدأ البشير أمام القاضي يدلي بحقيقة دوره في أحداث ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين.
برغم كونه في قفص الإتهام إلا أن البشير بدا اعترافه مزيجا بين محاولة منه للحصول على دعم معنوي ذاتي أو تعويض صدمته بعد الإطاحة به من الحكم حيث وقف يتباهى بأنه «قائد» ثورة الإنقاذ الوطني.
بدأ البشير يراوغ في اعترافاته مجددا محاولا بذلك مغازلة القوات المسلحة السودانية التي اعتبر تدخلها عمل عسكري وقت وصوله إلى الحكم سبيلا لاحتواء العجز الذي طال السياسيين في إدارة بلاده.
كانت أغرب اعترافات البشير بشأن أحداث عام ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين دليل وقوعه في تناقض كبير حيث اعتبر أن تدخل الجيش بما أسماه حينئذ ثورة كان إجراءات لإنقاذ السودانيين من الضياع على حد اعترافاته .