«إن تعليماتي واضحة بشأن استهداف هذه السفينة التي تتبع دولة معادية وعليك تنفيذها وأنا الذي سأتحمل المسؤولية..». كانت تلك خلاصة الأوامر التي صدرت من زعيم عربي إلى ضابط مصري نجح في تطبيق القانون دون مساءلة.
بدأت الواقعة في عرض البحر المتوسط.. حيث كان ضابطا مصريا مكلفا بحراسة السواحل المصرية وكانت التعليمات تقتضي أداء المهمة بدقة عالية مع مباشرة عمليات التتبع والتأمين البحري ورصد أية أهداف معادية مع تصفير معدل الأخطار القائمة والمحتملة الحدوث.
زودت البحرية المصرية ضابطها حينئذ بفرقاطة نوعية قادرة على مباشرة المهام وفق التعليمات الصادرة من الجيش المصري مع ضمان الحفاظ على السلامة الشخصية وتحييد أية أضرار .. في تلك الأثناء ظهر في أحد مسارات العبور البحري في عرض البحر المتوسط سفينة تقل عددا من رجال الأعمال التابعين لدولة أجنبية منبوذة في المنطقة.
في ذات توقيت مرور السفينة التي تقل رجال الأعمال كان زعيم عربي قد كلف أجهزة استخباراته بمراقبة السفينة على نحو دقيق وما أن كانت على خط سير بحري مع الفرقاطة حتى وصله تقرير كامل بتتبعها مشمولا بميناء انطلاقها ووجهتها الأخيرة.
فجأة تلقى الضابط البحري المصري تعليمات مثيرة للدهشة لأن التعليمات لم تكن صادرة من مصدرها الطبيعي في القيادة المصرية.. فما الذي حدث؟
كان التعليمات الصادرة إلى الضابط البحري المصري عبارة عن رسالة تتضمن الالتزام بتنفيذ مهمة واضحة بحسم مصير السفينة، لكن لكون التعليمات لم تكن من مصدرها الطبيعي في القيادة المصرية كان على الضابط أن يتعامل معها بحذر شديد.
الأزمة التي وثقها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل تتلخص في أن تلك التعليمات حال تورط مصر في تنفيذها كانت ستضع القاهرة في مواجهة دولية يصعب احتواء تداعياتها السلبية على مصر بل وعلى دول المنطقة كاملة.
صدرت التعليمات إلى قائد الفرقاطة المصرية التي كانت قريبة من السواحل الليبية من الرئيس الليبي الراحل العقيد معمر القذافي شخصيا، فوجئ قائد الفرقاطة بالعقيد يأمره بأنه نتائج العملية سيتحمل هو مسؤوليتها بوصفه قائدا للجماهيرية الليبية.
كان يعني تنفيذ التعليمات أن مصر ستكون متورطة في عملية نوعية مدبرة.. وأنها ستكون في مواجهة مع محاسبة دولية يتعذر احتواؤها.. فكيف سيتصرف الضابط البحري المصري؟
كان يعلم الضابط المصري تماما أنه رهن مواجهة صعبة وقد يتعرض إلى مخاطر حال التعامل مع تعليمات القذافي بطريقة غير حكيمة.. وأعطى انطباعا إلى العقيد بأن سيكون ملتزما يتنفيذ ما ورده من تعليمات لتأديب الدولة التي تناوئ العرب العداء . كان الضابط المصري يدرك تماما أنه في مثل ذاك الموضع لن يكون هناك مجال للمقاومة أو الرفض وأنه قد يعرض سلامته وطاقم الفرقاطة لخطر غير مدروس النتائج.
قرر الضابط المصري على الفور التوجه إلى القيادة المصرية وابلاغها بوقائع ما حدث بينه وبين العقيد القذافي، ووصل التقرير إلى الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات مفاده أن الضابط تلقى تعليمات من القيادة الليبية بتقديم وفد رجال الأعمال الذي كان على متن السفينة وجبة لأسماك المتوسط.. بينما قرر الضابط تقديم خطة القذافي إلى قيادته المصرية.