«سياسة لا تعرف ثوابت وإعلاء مصلحة طرف واحد على حساب الحلفاء القدامي».. بذلك المبدأ أدرات الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتها بدول المنطقة التي خرجت من سياق «ردود الفعل» في إدارة ملفاتها.
لا زال الموقف العربي بشأن حماية العملات المحلية على حذر من أمره، خصوصا بعدما طال الدينار العراقي حيث بلغ سعر الدولار الواحد قرابة ألف وخمسمائة دينار.
تواصل الدول العربية كافة جهودا شاملة لدعم قيمة عملتها المحلية اتساقا مع أوضاع دولية غير مستقرة للاقتصاد العالمي الذي ما من ثبات فيه إلا لحالة عدم اليقين التي طالت اقتصاد كبريات دول العالم.
اتساقا مع تلك الأوضاع بدأت المملكة العربية السعودية تراجع استراتيجيتها الثابتة بشأن ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وأعلنت على لسان وزير ماليتها «محمد الجدعان» أعلنت عن إمكانية بيع النفط في الخارج بعملة أي دولة.
تشير تقييمات وزير المالية السعودي إلى احتمالية دخول خطط دعم حصيلة المملكة من العملات الأجنبية الأخرى (دون الدولار) حيز التنفيذ في حالة بدء بيع النفط بعملات بديلة للدولار الأمريكي.
ليست المملكة العربية السعودية وحدها التي تنتوي دعم حصيلتها من احتياطي النقد الأجنبي البديل للدولار حيث تنتهج الكويت خطوات مماثلة في ظل حالة يقظة عربية شبه شاملة إزاء ما تتعرض له العملات المحلية في الدول التي تقدم الدولار وحده معيارا للتقييم.
المحلل الاقتصادي الروسي دميتري ميغونوف، يتنبأ بأن التحركات العربية المتوازية ربما تكتب بداية النهاية لسيطرة زمن «البترودولار» والذي يعتمد على وضع وتوصيف قيمة النفط الذي يتم شراؤه بالدولار الأمريكي.
وارتباطا بالعلاقات البينية التجارية بين الدول العربية، تنتهج مصر خطوات مماثلة بشأن دعم قيمة عملتها المحلية في مواجهة الدولار، وبدت صناعة القرارات الاقتصادية الداعمة لقيمة الجنيه في مصر بعين على شروط التمويل الدولي وحصول مصر على ما تريده من قروض، وعين أخرى على الإجراءات العملية الداعمة لقيمة العملة المحلية.
ترتبط مصر والسعودية بعلاقات اقتصادية كان من أحد نتائجه زيادة معدلات إلى تسعة فاصل واحد من عشرة مليار دولار خلال عام ألفين وواحد وعشرين، وسبق للقاهرة أن باشرت اتفاقا مع شركة أرامكو السعودية للحصول على سبعمائة ألف طن شهريا من المنتجات البترولية لمدة خمس سنوات بقيمة 23 مليار دولار.
ذلك الاتفاق الذي تعرض لموقف صعب على إثر قيام شركة أرامكو السعودية لاحقا بإبلاغ الجانب المصري في عام ألفين وستة عشر بالتوقف عن ضخ الإمدادات النفطية إلى مصر، لكن ظلت معدلات الاستيراد والتصدير النفطي قائمة في وقت لاحق دون انقطاع.
بموجب بيانات مصرية رسمية صادرة عن وزارة التجارة تصل نسبة الواردات السعودية إلى مصر إلى ستة فاصل سبعة من عشرة في المائة من قيمة إجمالي الواردات التي تستوردها القاهرة.
تصدير السعودية منتجات بترولية إلى مصر بالجنيه المصري بدلا من الدولار يحقق مصلحة متبادلة للبلدين أولهما بالنسبة للمملكة بدعم احتياطي السعودية من العملات الأجنبية، وثانيهما لمصر بدعم قيمة الجنيه المصري بالحصول عليه من القاهرة بدلا من الدولار.
يتزامن التوجه السعودي المرتقب دخوله حيز التنفيذ مع، قرار روسيا بإدراج الجنيه المصري ضمن أسعار صرف العملات، وهو ما يدعم قيمة الجنيه المصري وفي نفس الوقت مستوى التبادل التجاري بين موسكو والقاهرة.
تقلبات دولية تموج بها بحور الأحداث يوما تلو آخر وتلقي بظلالها على الاقتصاد قبل السياسية فلعل للعرب بعد مراجعة أوضاعهم الاقتصادية قرارات مستقبلية تستعيد لاقتصادهم توازنه في سياق معادلات قوة فرضت نفسها على العالم كافة و لم يعد لضعيفٍ فيها موقع من الإعراب.