ساعات مصيرية في تاريخ مصر، بعد إعلان أديس أبابا موعد الملء الرابع لسد النهضة واستمرار الأزمة المستمرة منذ نحو 11 عاما، دون حل حاسم واستمرار أديس أبابا في في مراوغاتها المستمرة ما وضع الأزمة على المحك لتمر بأخطر لحظاتها.. ماذا في أزمة سد النهضة؟
عودة أزمة القرن بإفريقيا
ساعات قليلة مرت على اعتراف رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، باستعداد أديس أبابا للملء الرابع لسد النهضة، خلال الدورة العادية الثامنة والعشرين لمجلس النواب الإثيوبي.
وتحدث أبي أحمد أمام أعضاء 547 عضوًا من مجلس النواب الإثيوبي، مؤكدًا أن بلاده مستعدة تماما للملء الرابع لسد النهضة والذي يستمر حتى سبتمبر القادم.
وزعم رئيس الوزراء الإثيوبي، أن الملء الرابع لسد النهضة لن يلحق الضرر بدولتي المصب، داعيا لاستئناف المفاوضات مع مصر والسودان، وإعادة المناقشات بشأن واحدة من أهم أزمات القارة السمراء والمستمرة منذ عام 2011.
صور حديثة تكشف السر الإثيوبي
ومع إعلان آبى أحمد، استعداد أديس أبابا للملء الرابع لسد النهضة، كشفت صور حديثة لموقع السد عن فتح بوابتي التصريف ما يعني أن إثيوبيا ستبدأ الملء الرابع فعليا بعد أسبوع.
ومع تحليل الصور القادمة من الأقمار الصناعية، كشف الخبير المصري عباس شراقي أن إثيوبيا قررت فتح بوابتي التصريف الغربية والشرقية بعدما أكملت الإنشاءات في الممر الأوسط، تمهيدا لتعويض الكمية الناقصة من البحيرة والبالغ قيمتها 3 مليارات متر مكعب، واستقبال مياه الأمطار والفيضان لبدء التخزين الرابع.
وأكد “شراقي”، أن التخزين الثالث انتهى 11 أغسطس 2022، بعد تخزين إجمالي 17 مليار م3، وفاضت المياه أعلى الممر الأوسط.
وأشار إلى أنه مع حاجة إثيوبيا لاستكمال الإنشاءات، قامت أديس أبابا بتجفيف الممر الأوسط، وذلك استعدادا للتخزين الرابع.
وذكر شراقي، أن أديس أبابا، قامت بفتح بوابتي التصريف يوم 8 يناير 2023، وفي 23 فبراير الماضي أغلقت إثيوبيا البوابة الغربية مكتفية بالشرقية لتمرير حوالي 25 مليون م3/يوم، واستمر ذلك حتى نهاية يونيو الماضي حيث تم فتح البوابة الغربية مرة ثانية الآن.
لغز مد الملء الرابع
وكشف الخبير المصري، سر تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، أنه سيتم مد الملء الرابع حتى سبتمبر المقبل، مؤكدًا أن آبى أحمد أقر بمد عملية الملء الرابع، لأن تصريف البوابة الثانية معناه تمرير حوالي مليار م3 آخر خلال شهري يوليو وأغسطس مما سيؤخر انتهاء التخزين حوالي 4 أيام لأن معدل الإيراد نهاية أغسطس وبداية سبتمبر سيكون حوالي 500 مليون م 3يوميا.
وحذر الخبير المصري من خطورة الملء الرابع الذي تستعد إثيوبيا له خلال ساعات، مؤكدًا أن أديس أبابا تستهدف الوصول في الملء الرابع إلى نحو من 20 إلى 25 مليارم3 مرة واحدة، وتعادل هذه الكمية نصف إيراد النيل الأزرق سنويا و45% من حصة مصر السنوية، وذلك طبقاً لبعض الصور التي تشير إلى وصول ارتفاع السد إلى 625 مترا للممر الأوسط وحوالي 628 مترا للجانبين.
وشدد “شراقي”، على أنه لولا السد العالي لتوقف 5 ملايين فدان في مصر عن الزراعة وهي معظم أراضي الوادي.
خطورة التحركات الإثيوبية
وأوضح “شراقي” خطورة التحركات الإثيوبية على مصر والسودان خلال السنوات الثلاث الماضية، مؤكدًا أن تخزين 17 مليار م3 خلال السنوات الماضية شكل ضررا على مصر والسودان.
خسائر ضخمة
ولفت إلى أن المليار الواحد من المياه التي تقوم إثيوبيا بتخزينها تقوم مصر مقابله بإنفاق المليارات من الجنيهات لتعويضه وذلك من خلال معالجة مياه الصرف الزراعي وتبطين الترع والصوب الزراعية، وتحديد مساحة الأرز بمليون فدان.
كل ذلك.. في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا مجددا أنها انتهت من بناء 90% من السد، وسط تصاعد الأزمة مع دولتي المصب بسبب عدم التوافق على الملء والتشغيل، واتخاذ أديس أبابا قرارا أحاديا منفردا بالتصرف دون مشورة أو تنسيق مع الدولتين.
دعوة لا محل لها
وعلى الرغم من دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد لاستئناف المفاوضات بين أديس أبابا ومصر السودان، بشأن أزمة سد النهضة الممتدة منذ أكثر من عقد من الزمان، إلا أنها على ليس محل لها من الإعراب لاسيما مع الوضع السياسي المتدهور في السودان والتي أصبحت خارج المعادلة في ظل منافسة عسكرية على السلطة وعدم وجود حكومة تستطيع الجلوس على طاولة المفاوضات، في الوقت ذاته تتهرب أديس أبابا من المطالب المصرية بشأن ملء وتشغيل السد.
وكان ملف سد النهضة شهد جولات عديدة من المفاوضات والتي تهربت منها إثيوبيا باستمرار على مدار نحو 12 عامًا، فخرج الملف من بين الدول الثلاث إلى الاتحاد الإفريقي وإلى المكتب البيضاوي للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ثم إلى مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة، ثم عاد مرى أخرى للاتحاد الإفريقي، والمكتب البيضاوي للرئيس الأمريكى جو بايدن في واشنطن مع القمة الأمريكية الإفريقية، ثم دخلت الصين على الخط، ثم الجامعة العربية، ولكن حتى الآن لم يتم الوصول لحل، في الوقت الذي تدعي فيه إثيوبيا استعدادها لحل تفاوضي فيما تواصل المراوغات على أرض الواقع.
تصعيد مصري ولهجة قاسية
في الوقت ذاته كانت جمهورية مصر العربية أعلنت عبر لسان وزير خارجيتها السفير سامح شكري، أن القاهرة لن تذهب مرة أخرى لمجلس الأمن بشأن ملف سد النهضة وأنها ستحمي أمنها المائي.
وذلك في تصريح يصنف أنه من أكثر التصريحات وضوحا، ويمثل خارطة طريق لكيفية تعامل مصر مع أزمة سد النهضة، خلال الفترة المقبلة، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن القاهرة لن تذهب مرة أخرى بملف سد النهضة إلى مجلس الأمن، مؤكدًا أن مصر ستحمي أمنها المائي.
جاءت تصريحات شكري التي مثلت دستور واضح لطريقة إدارة مصر للملف خلال الفترة المقبلة، مع فضائية “صدى البلد” المصرية، والتي أكد فيها أن التعنت من جانب أديس أبابا حال دون الوصول لاتفاق بشأن سد النهضة.
وشدد “شكري”، على أن القيادة والمؤسسات المصرية قادرة على التعامل مع الأمر، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المواطن والأمن المائي المصري، دون الذهاب إلى مجلس الأمن مرة أخرى في هذه المرحلة من التفاوض.
وذكر “وزير الخارجية المصري” أن أديس أبابا تحاول تطبيق مبدأ السيادة على مورد مشترك عابر للحدود، وهو الأمر الذي جعل من العسير الوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة.
قدر الجغرافيا يهدد مصر والسودان
وعلى الرغم من كل ما سبق من مفاوضات سياسية وهروب ومراوغات، يتبقى أزمة خطيرة تحيط بالسد وهو قدر الجغرافيا، حيث تم بناء السد قرب واحدة من أخطر مناطق الزلازل وهو الأخدود الإفريقي، وبالتالى تكون المخاوف ضخمة في حالة انهيار السد الإثيوبي لاسيما أنه في حالة اكتمال عملية التخزين سيحبس خلفه نحو 74 مليار متر مكعب من المياه ستؤدي إلى غرق السودان بالكامل… مع كل ذلك فهل تنتهي الأزمة بعد انتهاء الملء الرابع أم تتسع الهوة ويطال الخطر الجميع؟