من دعوات الاستحمام الجماعي إلى تعليمات بترشيد استهلاك الغاز. بدت أوروبا على موعد من سيناريوهات قد يصعب احتمالها، اتساقا مع ما قد يواجه القارة العجوز من أزمة طاقة لن تبقي للترفيه فيها مساحة، خصوصا بعد أن بات صنبور الغاز الروسي في قبضة موسكو تشغله وتغلقه متى تشاء.
لم تكن دعوات الأسر في دول القارة الأوروبية إلى الاستحمام الجماعي؛ بهدف توفير استهلاك الغاز والطاقة، مجرد طرفة أو دعابة راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكنها كانت إجراءات دحلت حيز التنفيذ وتضمنت توجيهات من مسؤولي الأحياء الأوروبية بألا تتجاوز مدة الاستحمام خمس دقائق فقط.
وأمام سطوة المخاوف الأوروبية من سطوة أزمة الطاقة بالتزامن مع حلول الشتاء القارس، وجد الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى «معاشرة الظلام».. وقائع الإجراء الأوروبي الجديد يتلخص في اللجوء إلى أساليب مختلفة في توفير الطاقة من خلال التدريب على التأقلم على الظلام.
وفي ألمانيا بدأت دورات تدريبية تتضمن عملية محاكاة للتعامل مع الظلام بحيث ييتمكن المواطن الألماني على التعامل مع حياته اليومية دونما حاجة إلى الكهرباء بحيث يمكن الحياة في المنزل والقيام بمهام التنظيف والطبخ على الظلام.
ولا تعد تلك المبادرات التي اتطلقت للتدريب على الحياة بدون كهرباء الوحيدة من حيث أهدافها في الحفاظ على الطاقة، فقد شهدت دول أوروبا دعوات مماثلة بعد احتدام أزمة الطاقة عقب الأزمة الروسية الأوكرانية وتحولها إلى ورقة ضغط في يد الساسة.
ومن قبل تسببت وزيرة البيئة السويسرية في عاصفة جدل عاتية داخل القارة الأوروبية بعد أن دعت سيمونيتا سوماروجا، مواطنيها إلى ضرورة اللجوء إلى الاستحمام الجماعي إذا كان لدى الأوروبيين جدية في تبني مبادرات عملية للحفاظ على الطاقة
اندلعت أزمة الطاقة في أوروبا بعد إعلان الشركة المسؤولة عن تشغيل خط أنابيب نورد ستريم 1 أن شحنات الغاز الروسي قد وصل تراجعها إلى 89 % عن العام الماضي الأمر الذي وضع قادة الدول الأوروبية أمام مخاوف متصاعدة مع دخول فصل الشتاء المعروف بكثرة استهلاك الكهرباء في دول القارة العجوز.
وكان تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا يحقق للقارة وفرة في إمدادها من الطاقة لضمان استمرار عمليات التدفئة وتشغيل محطات الكهرباء فضلا عن الاستخدامات المنزلية، وكانت أوروبا تحصل على ما نسبته 40 % من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، لكن موسكو أبت إلا فرض تحكمها بشأن توريد الغاز على خلفية أزمتها مع أوكرانيا والتلويح الروسي بضرورة التوقف الأوروبي عن تبني الموقف الأمريكي والأوكراني بشأن العقوبات المفروضة على موسكو.
ألمانيا تعد صاحبة النصيب الأشد مرارة من أزمة الغاز والطاقة، فطالما كانت الطاقة منخفضة التكلفة أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الألماني الذي يقوم على 60 % من الغاز الروسي، بينما لم يعد أمام برلين ثمة متنفس لتعويض الخسارة المرتقبة في اقتصادها بإجراءات سريعة.
لا زالت الطاقة والغاز الملف الأصعب في أوروبا. فهل تدفع الشعوب ثمن خلافات الساسة أم يستطيع العالم الوصول إلى آلية لتبادل الطاقة تضمن النأي بها عن تقلبات السياسة التي لا تهدأ وتيرتها مرة حتى تندلع أخرى بينما يطرح دخول الشتاء تحديات أشد قسوة من برده على شعوب القارة الأوروبية كافة.