لا زال الغموض سيد الموقف حول القرار الروسي بالانسحاب من خيرسون والذي دخل حيز التفيذ على الرغم من إعلان موسكو أن خيرسون هي جزء أصيل من الأراضي الروسية.
طرحت الأحداث المتوالية على مدار الساعات الماضية، أسئلة متلاحقة بشأن القرار الروسي بالإنسحاب من خيرسون، فروسيا التي أعلنت خيرسون جزءا من أراضيها هي الآن التي تنفذ قرار الإنسحاب منها، وهو القرار الذي جعل الأزمة الروسية الأوكرانية مصدرا لمزيد من القلق والحيرة وتوالت التساؤلات بشأن طبيعة ذلك الانسحاب وما إذا كان انسحابا بالمعنى العسكري للكلمة أم أنه فخ أعده الدب الروسي بعناية للإجهاز على الدعم الغربي المقدم إلى كييف.
والسؤال الآن: «هل وجد الروس أنفسهم في مواجهة صعبة أمام دعم غربي مقدم إلى كييف والتي أصبحت قواتها قادرة على المناورة وإدارة المواجهات الميدانية في خيرسون وغيرها من المواقع الأوكرانية التي ظنت روسيا أنها وقعت في قبضتها بالكامل؟».
السيناريو الأقرب إلى حيل روسيا في إدارة المواجهة مع أوكرانيا أن تكون إعادة مراجعة عملياتها في خيرسون، خطة مدروسة بإحكام للإطباق على الجانب الأوكراني الذي ربما يذوق قسوة درس لن ينساه حال صحة ذلك الاحتمال، خصوصا وأن الانسحاب الروسي الذي تم بشكل وقائي ربما تفادي خطة أوكرانية تستهدف محاصرة عناصر الجيش الروسي ووقوع عدد ليس بالقليل منهم.
كما أن بقاء الجانب الروسي محددا في الضفة اليمنى من نهر دنيبرو ربما يجعل الروس صيدا متاحا أمام القوات الأوكرانية التي تحصل على دعم متواصل من الدول الغربية؛ ويخلق معادلة جديدة للقوة في الصراع الروسي الأوكراني.
الجانب الروسي لا يرى أن هيبة جيشه وسيطرته ميدانيا على الأرض لا ترتبط معنويا أمام الرأي العام في داخل البلاد بمجرد السيطرة على خيرسون، حيث تحاول روسيا فرض مزيد من السيطرة على مساحات جديدة شاسعة في الأراضي الأوكرانية لحماية تقدمها من جهة، وتوفير أجواء معنوية ضامنة لجنودها من جهة أخرى، خصوصا وأن الآلة الإعلامية الغربية لن تترك ثغرة إلا ونفذت منها إلى الوضع المعنوي الروسي.
وبرغم التعليمات الصادرة من الكرملين الروسي بشأن المواجهة مع أوكرانيا إلى القوات، لكن آلية اتخاذ القرار العسكري توفر مساحة للقادة الميدانية لسرعة اتخاذ القرارات المتعلقة بحالات الضرورة القصوى من دون الرجوع إلى وزير الدفاع، خصوصا وأن القادة الميدانيين في نظر الكرملين هم الأقدر على تقييم الأوضاع الميدانية على الأرض.
وكانت موسكو أكدت في وقت سابق أن مدينة “غينيتشيسك” تم إعلانها عاصمة إدارية مؤقتة لمقاطعة خيرسون، بدلا من المدينة التي انسحبت منها القوات الروسية خلال الأيام الماضية، على أن تتركز جميع السلطات في المدينة التي تقع جنوبي مقاطعة خيرسون.
ولا زالت روسيا ترى أن الضفة اليسرى لنهر دنيبر هي الضمانة الحيوية لبقاء سيطرة قواتها، فسبق لها وأعلنت إعادة انتشار ما يربو عن ثلاثين ألف جندي روسي وخمسة آلاف قطعة سلاح وآلية عسكرية على تلك الضفة، بينما كان الأمر على الضفة اليسرى من النهر على النقيض حيث قررت روسيا إخلاء الضفة اليمنى بشكل كامل من آية آليات عسكرية.
وبعد مرور قرابة ثمانية أشهر ونصف شهر على الأزمة الروسية الأوكرانية، لا زال العالم ينتظر مقاربة سياسية تتضمن حوارا شاملا لجمع طرفي النزاع على طاولة المفاوضات وإنهاء سجال من المواجهة خلف تداعيات صعبة لم تقتصر على طرفي المواجهة فحسب، بل طالت أوروبا ودول العالم كافة.. فهل يضع القادة والقوى الدولية الفاعلة حدا لتلك المعاناة أم يتركون الأزمة فريسة أحداث مفاجئة.