قطار التنسيق المصري السوداني بدأ ولم تعد له محطات وقوف، فليس ثمة عراقيل أمام المصالح المشتركة للبلدين وإن أبدت إثيوبيا تحفظاتها. المصلحة العليا للشعبين أصبحت أولوية القاهرة والخرطوم الأولى ولا مساس بقطرة ماء من حقوقهما.. فماذا تفعل إثيوبيا إزاء التحرك الجديد؟
خرجت مصر والسودان عن سقف المطالب السياسية والتحركات الدبلوماسية بشأن حقوق شعبيهما في مياه النيل وقررت الدولتان المضي في إجراءات عملية أشد تأثيرا لحماية حقوقهما المشتركة.
ثمانية وأربعين ساعة أمضاها وزير الري المصري هاني سويلم في السودان وتواصلت الاجتماعات المتواصلة بين الجانبين المصري والسوداني على أعلى المستويات.
لقاء غير معلن التفاصيل جمع بين وزير الري المصري ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.. خرج بعده الجانبان بإجراءات عملية.
أدركت إثيوبيا منذ اللحظة الأولى للتنسيق المصري السوداني المتبادل أن القاهرة والخرطوم قررتا وضع النقاط على الحروف بعد إعلانهما تبادل بيانات مشتركة تخص الملف المائي للدولتين.
مياه النيل بالنسبة لمصر والسودان من أولى معطيات الأمن القومي المشترك بل وربما من دعائم الأمن القومي برمته؛ لذلك ارتكزت التحركات المصرية السودانية المشتركة على حسم الأزمة لصالح شعبي البلدين.
الرد المصري السوداني على التعاطي الإثيوبي المثير للريبة بشأن مياه النيل. أوصل رسالة إلى أديس أبابا مفادها، أن دولتي المصب لن تقبلان بأنصاف الحلول ولم تعد تجدي معها التطمينات الدبلوماسية نفعا.
مصر والسودان قررا إنشاء مركز مشترك بينهما مع فرض مزيد من الإجراءات بشأن «مراقبة موارد مياه النيل» في سياق وحدة المصير والمصالح القائمة بالفعل بين الجانبين.
توصيف «مراقبة موارد مياه النيل» لم يتضمن أي تفسير من الجانب المصري أو السوداني بشأن الإجراءات المدرجة ضمن عمليات المراقبة وما إذا كانت تتضمن المنابع الرئيسية للنهر أم تقتصر على المجرى المائي للنهر.
ترتكز القاهرة والخرطوم في التعاون المشترك بشأن ملف نهر النيل ومواجهة أي تداعيات محتملة لسد النهضة وإجراءات الملء.. ترتكزان إلى اتفاقيات تاريخية مشتركة مبرمة بين دولتي المصب.
باتت إثيوبيا تنظر بعين الريبة إلى التحرك المصري السوداني، فضلا عن دور البلدين المتنامي في كافة المحافل الدولية والذي يقوم على حتمية احترام الحقوق التاريخية لدولتي المصب في نهر النيل.
يؤكد الاهتمام المصري المتصاعد بقضية المواجهة المشتركة في التعامل مع ملف المياه ذلك الاهتمام المصري بشأن استقرار السودان وعدم السماح لأية أحداث أو أزمات داخلية أن تفتح الباب لتأثير خارجي يستهدف إضعاف الدولة السودانية وفتح باب التحكم في مواردها المائية.
يدرك السودانيون جيدا، أن الأزمة الحدودية التي بدأت بين بلدهم وبين إثيوبيا نهاية العام المنقضي ألفين واثنين وعشرين، مؤشر يستدعي الحذر في التعامل مع أديس أبابا، ليس فقط فيما يتعلق بالملف المائي بل بالملفات كافة.
تحاول إثيوبيا فتح خط تواصل دبلوماسي منفرد بينها وبين السودان بينما ينطلق الموقف المصري السوداني من ركيزة واحدة مفادها المصلحة المشتركة لدولتي المصب وتوحيد الرؤى في التعامل مع أزمة سد النهضة.
تقارير إعلامية سودانية كشفت عن زيارة مرتقبة يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى العاصمة السودانية «الخرطوم» لعقد مباحثات مشتركة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.
إضافة إلى سد النهضة الإثيوبي لا زالت أديس أبابا ترفض نهائيا حق استعادة السودان في استعادة أراضيه في منطقة الفشقة الحدودية الزراعية بين البلدين.
التوترات المتواصلة على الحدود الإثيوبية السودانية بدأت وتيرتها تتزايد منذ نهايات العام 2020م، بعد أن قرر الجيش السوداني إعادة الانتشار في تلك المواقع، واستعادة أراضٍ محلية من قبضة القوات والمليشيات الإثيوبية.
يبقى للتنسيق المصري السوداني كلمة الفصل في فرض معادلة القوة في إقرار الحق وحمايته فهل تستوعب إثيوبيا الدرس يوما أم تظل في إجراءاتها المنفردة بشأن سد النهضة؟