“بالأمس .. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي ..فكان علي أن أخترع سيناريو ..فقلت …لا تخافوا .. هذا الجسد كقميص رثّ .. لا يدوم ..حين أخلعه .. سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق ..وأترك الجنازة “وخراريف العزاء” عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام .. مراقبة الأخريات الداخلات .. والروائح المحتقنة … وسأجري كغزالة إلى بيتي … سأطهو وجبة عشاء طيبة .. سأرتب البيت وأشعل الشموع .. وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة .. أجلس مع فنجان الميرمية .. أرقب مرج ابن عامر ..وأقول .. هذه الحياة جميلة .. والموت كالتاريخ ..فصل مزيّف”، تلك الكلمات أخر الكلمات التي كتبتها الغزالة البيضاء ورمز النضال الفلسطيني “ريم بنا” التي فارقت الحياة اليوم وتسببت في جرح القلوب.
كتبت بنا تلك الكلمات وكأنها تعرف بقرب أجلها، فكانت في الأونة الأخيرة تكتب كثيرًا عن الموت وهي ليست خائفة ولكنها كانت تتحدث عنه بثبات، ولكنها لم تكن تعلم أن موتها سيسحب الروح من قلوب الكثيرون الذين عشقوها وهشقوا تفاؤلها وحبها للحياة ولبلادها.
إنها يا سادة “ريم بنا” الفنانة الفلسطينية ابنة مدينة الناصرة التي ولدت في عام 1966 والتي اشتهرت بغنائها الملتزم، واعتبرت رمزا للنضال الفلسطيني، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية المعروفة زهيرة الصباغ.
توفت بنا بعد صراع طويل ومرير مع المرض الخبيث الذي لا يرحم أحدًا “مرض الشرطان” الذي أصيبت به منذ 9 سنوات فكانت تحارب في جبهتين، الأول نضالها مع العدو الصهيوني والثاني مع هذا المرض اللعين، ولم تكن متأزمة مما حل بها ولكنها كانت راضيه بقضاء الله حتى وبعد أن أصيبت بمرض الشلل الوتري الذي كاد يفقدها صوتها الملائكي. وأعلنت توقفها عن الغناء في عام 2016.
تزوجت ريم عام 1991 من الموسيقي الأوكراني “ليونيد أليكسيانكو” الذي درس الموسيقى والغناء معها في المعهد العالي للموسيقى بموسكو وكانا يعملان معا في مجال الموسيقى والتأليف وأنجبا ثلاثة أطفال لكنهما انفصلا عام 2010.
ومن أبرز ألبوماتها: جفرا 1985، دموعك يا أمي 1986، مرايا الروح، ألبوم مرفوع إلى الأسرى في سجون الاحتلال 2005، مواسم البنفسج، أغاني حب من فلسطين 2007، نوّار نيسان، أغاني أطفال، مُهداة إلى الأطفال الفلسطينيين اللاّجئ 2009، صرخة من القدس: بمشاركة فنانين فلسطينيين 2010، أوبريت بكرا 2011، تجلّيات الوَجْد والثورة 2013.
فازت ريم بنّا بجائرة ابن رشد للفكر الحر عام 2013، وعام 1994 حصلت على لقب سفيرة السلام في ايطاليا، كذلك شخصية العام في 1997، و1998 في تونس، وفي عام 2000 فازت بجائزة فلسطين للغناء.
ونعت والدتها الشاعرة زهيرة الصباغ ابنتها على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قائلة:”رحلت غزالتي البيضاء، خلعت عنها ثوب السقام، ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها، تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق”.
أما عن شقيقها فراس فنعاها قائلا: “عائلة ريم بنا، والدتها زهيرة وأخوها فراس وأبناؤها بيلسان وأورسالم وقمران، وأصدقاؤها وأحباؤها والشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، ينعون إليكم ببالغ الحزن والأسى رحيل ابنتهم البارة ومغنية فلسطين الأولى ريم بنا، متممةً واجباتها الوطنية والإنسانية تجاه شعبها وكل مظلومي العالم.”
شاهد أيضًا..
شاهد.. مدحت العدل يكشف سر خطير عن اعتزال «شريهان» الفن نهائيًا
فنان شهير يوهب حياته لـ«مكتبة» تحمل مخطوطات قديمة بعد الفن