تطورات جديدة يشهدها سد النهضة الإثيوبي بعد إعلان أديس أبابا عزمها بدء عمليات الملء الرابع للسد في شهر يناير الجاري، فيما تنسق كل من القاهرة والخرطوم؛ لحسم موقفهما المرتقب بشأن التطورات الجديدة وذلك بزيارةٍ أجراها مسؤولٌ مصريٌّ كبير إلى السودان، فإلى أين تتجه مصر؟
«إنَّ سدَ النهضةِ مسألةٌ وُجُودِيَّة بالنسبة لإثيوبيا ولا تنازل عنه مهما حدث».. بتلك التصريحات يجدِّدُ الإثيوبيون التأكيد على أنَّ أدِيس أبَابَا ماضيةٌ في الملء الرابع لا محَالة.
تباشرُ إِثيُّوبيا استكمال عمليات الملء لسد النهضة. على الرغم من حالة التوتر التي خلَّفتها تحركاتُها ومشروعُها الذي لم يؤتِ ثمارَه بعد على نهر النيل الأزرق. وتحدِّدُ أديس أبابا الشهر الجاري موعداً؛ لبدء عمليات الملء الرابع للسد، وذلك على الرُّغم من التحفظاتِ المصريَّةِ والسُودَانيَّة التي تسلَّمتْهَا رسمياَّ في أكثر من فعالية.
تباشر مصرُ والسودانُ تنسيقاً مُشْتَركاً بشأن حِصَصِهِمَا الثابتة من المياه، ويُجْمِعُ الجانبان على أنَّ تحركهما متواصلٌ؛ لاستنفاد كل الأساليب السلميَّةِ بالحُوارِ السياسي والتواصلِ الدبلوماسي بين البلدين.. حيث يتفقُ الجانبان أيضاً على أنَّهُ بعد مُضي أكثر من عَشْرِ سَنَوَاتٍ من المُفَاوَضَاتِ المُتَعَلِّقةِ بإنهاءِ الأزمةِ لم يَعد ثمَّة اطمئنانٌ إلى الموقف الإثيوبي.
تُجرِي مصرُ والسودانُ تنسيقاً على أعلى المُستوَيات. وقد بدأ ذلكَ بزِيارَاتٍ بين مسؤولي البلدين، تصدَّرت «العَلاقاتُ الثنائيةُ» خلالها الأهداف المعلنة لتلك الزيارات، لكنَّ التركيزَ الحالي للتنسيق المشترك ينصبُّ بالدرجة الأولى على الحِصص المائية لدولتي المصب ومدى تأثرها بالملء الرابع لسد النهضة الإثيوبي.
مصرُ تركِّز في مساعيها بشأن «سد النهضة» الإثيوبي على ضرورةِ ترسيخِ استقرار السودان بشكل تام؛ بحيث لا يؤدي طولُ أمَدِ الفترة الانتقاليَّة الحاليَة إلى وضعٍ سياسي متأزمٍ يُحَوِّل السودان إلى مطمعٍ لإثيوبيا؛ وبالتالي تتعرَّض حصته المائية إلى الخطر؛ مما يؤثر لاحقاً على حصة مصر المائية.
ترى القاهرة والخرطوم أنَّهُما لم يعد لديهما رفاهية الوقت أمام الملء الرابع لسد النهضة، الذي يستدعي حسمَ مسألةِ الاتفاقِ القانوني الملزم بخصوص الحقوق التاريخية في نهر النيل.
يأتي ذلك بعد مُضِي أكثر من عام على تجمُّد المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا؛ لأنَّ القاهرةَ والخُرْطُومِ تريدان وضعَ اتفاقٍ ثلاثيٍّ مُلْزِم بشأن سد النهضة وتشغيله، بينما ترفض إثيوبيا مطلب دولتي المصب وتريدُ المضيَّ قُدُماً في الملء الرابع لسد النهضة بزعم أنه «لن يؤثر على حصةِ مصر والسودان المائية».
سبق أن برَّرت إثيوبيا استمرارَها في عمليات ملء سد النهضة، بأنَّها لن تؤدي إلى أي تأثير على الأمن المائي لدولتي المصب، ومع عملية الملء الثالث رأت أديس أبابا حينئذٍ أنَّها «جمعت اثنتين وعشرين مليار متر مكعب في سياق الكمية المطلوبة لتوليد الكهرباء عبر توربينين».
بالنسبة لمصرَ تواصل الدولة إجراءاتها العملية لحماية أمنها المائي من خلال مشروعات «تَبْطِين التِرَع» المقرَّر انتهاؤها في عام ألفين وأربعة وعشرين بتكلفة إجمالية تصل إلى ثمانين مليار جنيه. فضلاً عن تطبيق أساليبٍ حديثةٍ في الري تعتمد على الري بالرش والتنقيط، بدلاً من الري بأسلوب الغَمر التقليدي. فضلاً عن التوعية بالحفاظ على مياه الشرب.
وفي سياقٍ مُغَايِرٍ للأسلوب السلمي الذي لا تفضِّل القاهرةُ العُدُولَ عنه حتى الآن وصلت مصر إلى ترتيب عسكري متقدِّم عالميًّا يجعلها صاحبةَ اليَدِ الطُولَى حالَ اُضطُرَّتْ إلى مواجهةٍ؛ لحفظِ حُقُوقِها المائيةِ.. ولعلَّ مقاربة سياسيةً فاعلة تضمن للدول الثلاث الحفاظَ على حقوقها في التنمية وفي الحصص المائية التاريخية.