معجزة عمرها أكثر من 5 آلاف عام، منذ أن شعر النبي إسماعيل عليه السلام بالجوع بعد أن تركه الخليل إبراهيم عليه السلام هو ووالدته هاجر عليها السلام بواد غير زرع بمكة المكرمة بأمر من الله، حتى ظهر لهم «بئر زمزم» لتصبح واحدة من أعظم المعجزات الربانية.
يُعد بئر زمزم أحد أبرز المعجزات وأعلاها مكانة عند المسلمين، حيث يطلبها كل مسلم ممن يذهبون في رحلة الحج للتبرك بها وتحقيق الأمنيات، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ماء زمزم لما شُرب له»… يضخ بئر زمزم آلاف بل ملايين الليترات من الماء ولا ينضب في معجزة تدهش كل من يسمع به. ولكن هل سألت نفسك يومًا ماذا يوجد داخل هذه البئر؟
وصف بئر زمزم
تقع بئر زمزم بالقرب من الكعبة المشرفة… أما فتحة البئر فهي تحت سطح المطاف على عمق1.56 متر، وفي أرض المطاف خلف المقام إلى اليسار للناظر إلى الكعبة.
وفقًا لما نشرته جامعة «أم القرى» السعودية على الموقع الخاص بها فإن جوف بئر زمزم ينقسم إلى قسمين: جزء مبني عمقه 12.80 متراً عن فتحة البئر، وجزء ثانٍ منقور في الصخر وطوله 17.20 متراً، وهذا ما يعني أن عمق البئر هو 30 متراً من قاع البئر إلى فتحته.
من أين يأتي مصدر الماء؟
جامعة «ام القرى» كشفت أيضًا عن مصدر الماء في جوف بئر زمزم، حيث قالت إن تغذية البئر بالمياه تتم عن طريق ثلاثة عيون رئيسية، عين باتجاه الركن الأسود، وعين باتجاه جبل أبي قبيس والصفا، وعين ثالثة باتجاه المروة، وتقع هذه العيون بالضبط عند عمق 13 متراً من فتحة البئر.
لم تكن جامعة «أم القرى» الجهة الوحيدة التي درست بئر زمزم، فقد قام الباحث في شؤون الحرمين الشريفين محيي الدين الهاشمي بدراسات حول البئر ومصدر الماء.\
وأوضح محيي الدين الهاشمي أن بئر زمزم يضخ الماء بمعدلات تصل في حدها الأقصى لـ 18.5 لتر في الثانية، وحدّها الأدنى 11 لتراً في الثانية، يبلغ عمقها 30 متراً فقط، ولاتزال تروي الحجاج منذ أن أذن نبي الله إبراهيم في الناس بالحج.
وبين الباحث في شؤون الحرمين الشريفين أن العيون الثلاثة التي تغذي بئر زمزم لم تنجح أي محاولات تتبع كميات المياه التي تأتي إليها من باطن الأرض.
ومن المحاولات لاستكشاف بئر زمزم، قام فريق بحثي بالنزول إلى قاع البئر ففوجئوا بوجود قطعًا نقدية معدنية تعود لعصور قديمة وقروناً منقوشة وأعمالاً سحرية، كما اكتشفت قطع رخامية كانت الأسماء تكتب عليها وترمى في البئر، بينها إحدى القطع التي كتب عليها اسم «عمر المختار»، وكانت تلك من أغرب الأشياء التي تم العثور عليها داخل البئر.
ومن الأسرار التي لا يعرفها الكثيرون عن مبنى بئر زمزم، أنه كان في وسط المطاف وكان يتكون من عدة طوابق، وكان بداخله رقبة بئر زمزم بالطوق النحاسي وغطاء البئر، إضافة إلى بكرة لرفع الماء تعود لأواخر القرن الرابع عشر، كما يوجد دلو من النحاس مؤرخ عام 1299 هـ وقد وضعت حالياً بمتحف عمارة الحرمين الشريفين بأم الجود.
تاريخ طويل للبئر منذ ظهوره، حيث توافدت القبائل على مكة وأقام الناس حول البئر وظهر الطير والحيوان في المكان وصارت مكة مركزا تجاريا، وبنى سيدنا إبراهيم عليه السلام وولده إسماعيل فيما بعد الكعبة تاركين أثار أقدامهما في الصخر عند مقام إبراهيم بجوار الكعبة المشرفة حتى يومنا هذا.
ومن أغرب الأسرار عن بئر زمزم أنه تم ردمه واختفى مكانه وظل كذلك مدة طويلة حتى ألحت رؤيا الأمر بحفرها على يد عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعيين مكانها له فى الرؤيا؛ فاستجاب للرؤيا المباركة، وحفر البئر وعادت المياه الطاهرة تدفق منه، ومنذ ذلك الحين تروى المسلمين حتى الآن.
وفي العصر الحديث وتحديدًا في العام 1957، تمت إزالة مبنى زمزم عند توسعة المطاف، وجعل مدخل البئر تحت صحن المطاف، وذلك تسهيلاً للطائفين حتى تمت إزالة المدخل بشكل كامل من المطاف في التوسعة الأخيرة الحالية للمسجد الحرام.
كما تمت أكبر عملية تنظيف للبئر عام 1979 بأمر من الملك الراحل خالد بعد أحداث الحرم المعروفة بواقعة جهيمان العتيبي، وشكل فريق برئاسة المهندس يحيى كوشك وغواصون وتم تنظيف البئر بشكل كامل ودقيق.
وفي عام 2010م، أطلق مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعبئة وتنقية مياه زمزم آلياً بقيمة بلغت 700 مليون ريال سعودي، حيث إن مصنع التعبئة يقع على مسافة 4.5 كيلومتر من المسجد الحرام، ويتكون من عدة مبانٍ، تشمل مبنى ضواغط الهواء، ومستودع عبوات المياه الخام، ومبنى خطوط الإنتاج، ومبنى مستودع العبوات المنتجة بطاقة تخزينية يومية تبلغ 200 ألف عبوة، بمساحة كلية للمصنع تبلغ 13405 أمتار مربعة، وهو يغذي الحرم المكي الشريف.
كذلك، يتم نقل مياه زمزم إلى خزانات زمزم بالمسجد النبوي في المدينة المنورة عن طريق صهاريج مجهزة بمواصفات خاصة لحماية المياه من أي مؤثرات، بمعدل 120 طناً يومياً، ويرتفع في المواسم إلى 250 طناً، ويقدم ماء زمزم في حافظات معقمة ومبردة تصل إلى 7000 حافظة مياه توزع داخل المسجد النبوي وسطحه وساحاته، إضافة إلى نوافير الشرب الموزعة في المسجد النبوي والمرافق المحيطة به.
أكثر من 5 آلاف عامًا مرت على قصة البئر كما وردت عن النبي في صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء هي أنه لما قدم النبي إبراهيم إلى مكة مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل وأنزلهما موضعا قرب الكعبة التي لم تكن قائمة آنذاك ومن ثم تركهما لوحدهما في ذلك المكان.
ولم يكن مع هاجر سوى حافظة ماء صغيرة مصنوعة من الجلد سرعان ما نفدت وودعهما إبراهيم وغادر ولم يلتفت إلى هاجر رغم نداءاتها المتكررة لكنه أخبرها أنما فعله هو بأمر الله فرضيت وقرت ومضى إبراهيم حتى جاوزهما مسافة وأدرك أنهما لا يبصرانه دعا ربه بقوله «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون» الآية.
بعدما نفد الماء استهل الطفل بالبكاء ولم تكن أمه تطيق رؤيته يبكي فصدت عنه كيلا تسمع بكاءه، وذهبت تسير طلبا للماء فصعدت جبل الصفا ثم جبل المروة ثم الصفا ثم المروة وفعلت ذلك سبع مرات تماما كما السعي الذي شرع من بعدها، فلما وصلت المروة في المرة الأخيرة سمعت صوتا فقالت أغث إن كان عندك خير.
فقام صاحب الصوت وهو جبريل بضرب موضع البئر بعقب قدمه فانفجرت المياه من باطن الأرض وأخذت هاجر تحيط الرمال وتكومها لتحفظ الماء وكانت تقول وهي تحثو الرمال زم زم، زم زم، أي تجمع باللغة السريانية، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر: رحم الله ام إسماعيل لو تركته لكان عينا يجري، أي أن مياهه كانت ستغدو ظاهرة وليست تحت الأرض كما هو حالها.