(هذه نساء الفاطميين حريم رسول الله يرسلن إليك شعورهن يرجونك أن تنجدهن من أن يسبيهن أمالريك والافرنج)، كان هذا نص الرسالة المكتوبة لملك الشام نور الدين زنكي، رسالة كُتبت في وقت كانت فيه نيران الفسطاط مضرمةَ تتوهج في عتمة ظلام دامس موحش.
بينما صوت عدو خيول جيش الفرنجة يقترب أكثر فأكثر من القاهرة، ليدرك حينها خليفة مصر أن الخطر الداهم أصبح وشيكا، ويرسل مع رسالته المكتوبة شعور نساء قصره إلى الشام في استغاثة أخيرة لعلها تكون المنجية، ليشاء القدر بعدها أن تقلب خصلة الشعر تلك موازين المعركة وتكتب تاريخا خالدا مازلنا نذكره في أيامنا هذه. قصتنا اليوم عن خصلة شعر وحدت طرفي نقيض الأمة وأُنقِذَتْ بها مصر، فكيف حدث ذلك
في منتصف القرن الثاني عشر كانت مصر تحت حكم الدولة الفاطمية التي كانت حينها تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم يكن للخليفة فيها من الحكم شيء وكان وزراء مصر حينها هم الحُكام الفعليون للبلد.
خليفة مصر حينها كان العاضد لدين الله وهو شاب صغير مُعتل الصحة وكان له وزير في ذلك الوقت اسمه ضرغام. ضرغام كان بينه وبين شاور وهو الوزير السابق الذي خلعه ضرغام صراع محتدم على السلطة داخل البلاد وكانوا يستعينون بالدول المجاورة لتعينهم في القضاء على خصومهم.
بدأ الأمر عندما ذهب شاور إلى نور الدين زنكي ملك الشام الذي يبسط سلطته على أكبر مدنها حلب ودمشق، وطلب منه العون ليتخلص من عدوه اللدود ضرغام في مصر.
ومع وعد منه بأن ثُلث خراج مصر سنويا سيؤدى لنور الدين وأن يكون شاور نائبا له في مصر مع بقاء قائد الحملة أسد الدين ليقيم معه هناك، كل هذا فقط إذا استطاع يلي الوزارة بعد التخلص من ضرغام.
لكن شاور كان يضمر في نفسه خطة خفية لم يعلنها، فبعد أن هزم جيش نور الدين جيش ضرغام، قام شاور فقبض روحه ليقضي عليه إلى الأبد.
ولكنه لم يفِ بوعده لنور الدين ولا إلى أسد الدين، بل وعوضا عن ذلك أرسل رسله إلى ملك الفرنجة يستنصره على جيش أسد الصغير والمعزول بعيدا عن الشام في مصر.
كان هذا طعنة في الظهر ولم يملك الجيش النوري إلا الانسحاب إلى بلبيس ليتحصنوا بها، لتقام بعدها هدنة ويرجع كل من الجيشين الصليبي والنوري إلى بلادهم.
ليتكرر الأمر مرة أخرى ويتواجه الجيشان ويستعين شاور بالصليبيين مرة أخرى، وأقام أسد الدين وصلاح الدين هدنة كتلك التي أقاموها من قبل، كل جيش من الجيشين يرجع إلى بلاده.
ولكن هذه المرة كان للصليبيين شرط على شاور، طلبوا منه أن تقيم معه حامية صليبية بهدف تحسس الخطر النوري القادم من الشرق.
ولكن كان ملك الفرنجة يخطط لشيء أكثر خبثا، فبعدها بفترة قصيرة هاجم مصر بهدف نزع ملك الوزير شاور، وهنا لم يملك شاور إلا أن يطلب من الخليفة نفسه التدخل لإنقاذ البلاد وإنقاذه، فشاور لن يجرأ على طلب مساعدة الجيش النوري بعد ما فعله له مرتين.
وهنا بعث العاضد لدين الله رسالة إلى نور الدين، وأرفق بها شعور نسائه من قصره طلبا للنجدة العاجلة، ولما رأى ذلك نور الدين وجه جيشا بقيادة صلاح الدين وأسد الدين إلى مصر لينقذ البلاد التي كادت مصر أن تقع في أيدي الصليبيين، لولا تدخل الجيش النوري في الوقت المناسب.
لتنقذ خصلات شعر بيت العاضد مصر كلها من غزو فرنجي وشيك كاد أن يحرق البلاد عن بكرة أبيها.