نابغة من النوابغ وبحار لا يشق له غبار، عاش حياته متنقلا بين البحار، وكان واحدا من أنجح القادة العسكريين فيها.
جغرافي ورسام وأدميرال، رسم خريطة العالم وأثبت كروية الأرض، فكان بذلك كمن حفر نهايته، ما الذي تعرفه بيري ريس قائد الأسطول المصري، وصاحب خريطة العالم الحديث.
أحمد محيي الدين بيري، أو الشهير باسم بيري ريس من مواليد مدينة غاليبولي، عام 1465، بحكم أن نشأته كانت متعددة الثقافات، كان بيري ريس يتقن العديد من اللغات مثل: «اليونانية، والإسبانية، والإيطالية، والبرتغالية» إلى جانب التركية طبعا كلغته الأم.
بدأ بيري ريس بالإبحار في سن مبكرة برفقة عمه كمال ريس، وشارك معه في رحلات ومواجهات بحرية ضد فرنسا وصقلية، قبل حتى أن تنشئ الإمبراطورية العثمانية أسطولها البحري بسنوات.
وفور إنشاء الأسطول العثماني التحق بيري ريس رسميا به، وأثبت جدارته وتولى قيادة إحدى سفن الأسطول العثماني في النزاعات التي جرت عام 1494م، بين الإمبراطورية العثمانية وإمارة البندقية.
وذاع صيته خلال تلك المواجهات البحرية، وتحديدا في مودون والتي هَزم فيها العثمانيون أسطول البندقية هزيمة ساحقة.
لم يكن بيري بحارا فذا وحسب، بل كان جيوغرافيا ممتازا أيضا، وفي خلال رحلاته العديدة قام برسم خريطة للعالم، وألف كتابا من أهم الكتب في علم الملاحة والإبحار وسماه كتاب البحرية.
وفي عام 1517، والذي كان العام الذي شهد غزو مصر على يد سليم الأول، كان بيري ريس أميرالا في الجيش العثماني، مما أتاح له فرصة رسم ودراسة نهر النيل بتمعن إلى جانب المنطقة كلها.
ثم ترقى بعد ذلك ليصبح قائدا للأسطول العثماني في المنطقة، وتولى حينها قيادة الأسطول المصري بعد وفاة خير الدين بربروسا أحد أعظم القادة البحريين في وقتها.
وفي فترة خدمته في مصر نشب نزاع بينه وبين قوات الأسطول البرتغالي أسفرت نتيجته عن هرب البرتغاليون وتحصنهم في قلعة هرمز، ثم خروجهم فيما بعد عقد اتفاقية، يرفع بموجبها الحصار عن القلعة مقابل مبالغ مالية وهدايا تدفع للدولة العثمانية.
كان هذا كل ما احتاجه كارهو بيري ريس للقضاء عليه، وعلى رأسهم والي البصرة «قوباد باشا» والذي استطاع إقناع السلطان بفشل حملة بيري ريس واتهموه بالتخاذل والجبن والفشل في القضاء على القوات البرتغالية.
وبالفعل صدق السلطان تلك الوشايات، وحجر على بيرس ريس، ثم قبض روحه بعدها عن عمر ناهز الـ85 عاما.
كان من أوائل من قالوا بكروية الأرض، ووجود قارات جديدة لم تكتشف بعد، وهو ما أثار عليه مشايخ العثمانيين.
فاتهموه بعدها باختلال العقل، ومخالفة إجماع علماء المسلمين، وطلبوا من سليمان القانوني التخلص منه، ولربما كان هذا سببا إضافيا لمصيره الذي لاقاه بجانب الوشايات التي أودت به.
ترك بيري ريس بعد وفاته إرثا علميا عظيما، فتعتبر الخريطة التي رسمها في العام 1513، واحدة من أقدم الخرائط في العالم التي تحتوي على الأمريكيتين، بجانب خريطة كريستوفر كولمبوس.
اتسمت رسومات الخريطة بدقة كبيرة، مقارنة بما كان متاحا في تلك الفترة من الزمان، بل إنها فاجأت علماء زمننا الحالي لدقتها.
تعد «خريطة العالم» التي رسمها بيري ريس جزءاً من التراث العالمي للوثائق والخرائط، وهي محفوظة اليوم في متحف قصر توب كابي سراي.. لتشهد على تاريخ مضى.